قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بد من العريف، والعريف في النار)، حديث حسن ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة، ومعناه باختصار: أن الناس كي تنجح أعمالهم، وتصلح شؤونهم، لا بد لهم من عريف، ولكن هذا العريف في النار، إذا ضيَّع مسؤوليته، وخان أمانته، واستغل مكانته، وجعلها لمصالحه الذاتية، ومنافعه الشخصية.
فشأن المسؤولية شأن عظيم، وخطبها خطب جسيم، هي ليست كما يصوِّرها بعض الناس، الذين تشرئب لها أعناقهم دون تفكير في عواقبها، وتمتد إليها أيديهم دون تأمل في نتائجها وما يترتب عليها بعد ذلك، فهي أمانة، واستغلالها وعدم تأديتها، والتقصير فيها، خيانة من أعظم الخيانات، وقد أمر الله بتأدية الأمانة، وحرَّم الخيانة فقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }. واستغلالها لمصلحة ذاتية، أو منفعة شخصية، جريمة الجرائم، وكبيرة الكبائر، حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر بسوء عواقبه، وخبث نتائجه، ففي الحديث عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد، يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد: فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاَّني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه، حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه، إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر)، ثم رفع صلى الله عليه وسلم يديه حتى رؤي بياض أبطيه فقال: (اللَّهم هل بلغت؟).
إن المسؤولية هي كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم المرضعة، وبئست الفاطمة)، نعم المرضعة، في هذه الدنيا، لما تجر على صاحبها من المنافع الدنيوية، ولكن بئست الفاطمة، بالموت الذي يهدم لذتها، وبالسؤال يوم القيامة عن القيام بواجبها، حينما تؤدى الحقوق، وترد المظالم، ويحاسب كل مقصِّر على تقصيره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك، إلا أتى الله مغلولاً، يده إلى عنقه، فكه بره، أو أوثقه إثمه، أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة). بئست الفاطمة، حينما يقف أصحاب الشهوات، بين يدي الله يسألهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى سائل كل راعٍ عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيَّعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته).
ففي هذا الحديث (لا بد من العريف) وفي غيره من الأحاديث، حث لكل مسؤول بأن يكون أهلاً للمسؤولية وتحذير لمن بلي بإدارة الناس، أو رئاستهم، من تبعات إهمال ذلك.
( * ) حائل - ص ب 3998 |