* الجزيرة - خاص:
أكد فضيلة الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم د. عبدالله بن علي بصفر أن علاج أوجه القصول الحالي في ترجمات السُنة والسيرة النبوية يتطلب تضافر جهود المؤسسات العلمية، والأكاديميين المعنيين بالسُنة والسيرة، مشيداً بالجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية للعناية بمصادر الشريعة الإسلامية، وعلى رأسها القرآن الكريم، والسُنة النبوية والسيرة.وأضاف د. بصفر خلال حديثه ل (الجزيرة) أن الارتقاء بمستوى ترجمات السُنة والسيرة يحقق من خلال اقتناء الكتب المترجمة، والقدرة على تبسيطها، والاستفادة من تقنيات العصر للوصول بها إلى المسلمين وغير المسلمين في جميع أنحاء العالم، والاجتهاد في تفنيد كل ما يثار ضد السُنة والسيرة من شبهات بالحجة والدليل، وفيما يلي وقائع الحوار:
****
* بداية نسال كيف ترون جهود المملكة في العناية بالسُنة والسيرة النبوية؟
- نقول: (من لايشكر الناس لايشكر الله)، وإن مما ينبغي علينا تذكرهُ، وعدم إغفاله: ما تقوم به المملكة العربية السعودية من عناية كريمة بدين الله تعالى عموماً، وبمصادره من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة بوجه خاص، ومن دلائل هذه العناية المباركة: (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ومركز خدمة السُنة والسيرة النبوية) وكلاهما بالمدينة المنورة، ولا يخفى على أحد أياديها البيض في ذلك المجال، حتى أنك لتكاد تجزم بأنه لا توجد دولة من دول الإسلام اليوم تخدم دينها، وتنافح عنه، وتبذل من أجله كل ما تستطيع كما تفعل المملكة حماها الله، وزادها عزاً وسؤدداً، وإذا كان ثمة تقصير في جانب من الجوانب، أو من بعض الجهات المعنية بتلك الأمور فهذا ديدن البشر، وما من معصومٍ إلا الأنبياء، وكفى بالمرء نُبلاً أن تعد أخطاؤه، ومعايبه.
* وما هو أول ما تراه ضرورياً للارتقاء بترجمات السُنة والسيرة؟
- الارتقاء بهذه الترجمات يبدأ بالانتقاء الدقيق للكتب التي يتم ترجمتها بمعنى حُسنُ الاختيار للمادة العلمية التي تُترجم، وتُنشر بحيث يتوفر فيها ثلاثة عناصر أساسية هي: الاختصار، والشمول، والصحة، فعدم الشمول يؤدي إلى القصور في بعض الجوانب لدى المُتلقي،مما يؤدي إلى خلل في التصور يتبعه قطعاً خللٌ في العمل كذلك فإن الإسهاب وعدم الاختصار يؤدي إلى صعوبة الطلب، والتلقي من عامة المسلمين لاسيما غير الناطقين بالعربية فالمطولات لا يحتاج إليها إلا طلبة العلم المتفرغون لذلك، وهم بما لديهم من علوم كاللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة وأصول الفقه، ومصطلح الحديث يستطيعون الاستفادة من تلك المطولات لتمكنهم من هذه العلوم، أما غيرهم من عامة المسلمين، فلا يجدون -في الغالب- وقتاً لقراءة تلك المطولات، وإن وجدوا الوقت لقراءتها فستواجههم -في كثير من الأحيان - صعوبات في الفهم، سببها عدم أهليتهم العلمية التي تمكنهم في التبحر في مثل هذه المطولات، ومن هنا يصبح الاختصار مهماً عند اختيار الكتاب المراد ترجمته، كذلك فإن عدم الصحة لمحتويات الكتاب الذي يتم ترجمته يؤدي ذلك إلى خلل في التلقي، ينتج عنه خلل في العمل، والأولى أن نربِّي المسلمين على تنقية دينهم مما توهمه البعض على مدى قرون من شوائب. وبدع، وخرافات، ولا يكون ذلك إلا بتوحيد مصدر التلقي، وأن يكون فقط: كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وبفهم سلف الأمة من الصحابة، وتابعيهم بإحسان، وهم السنة والجماعة في كل عصر.
* يطالب البعض بتجديد لغة، وأسلوب عرض ترجمات السُنة والسيرة، فكيف ترى ذلك؟
- التجديد المطلوب في أسلوب العرض لتحقيق الأهداف المرجوة يكون بأن تكتب السيرة النبوية بأسلوب يناسب هذا العصر في سهولته ووضوحه، مع صحته واختصاره، وشموله، كما تقدم وأن تُختار من السُنة الروايات الجوامع الصحيحة، والتي لا تحتاج إلى كثير عناء في شرحها، وتبقى باقي النصوص لمن يريد التبحر في فهم معنى من المعاني، أو الإحاطة بجزئية من الجزئيات، كذلك ضرورة إبراز الجانب الوعظي، واستخراج الدروس، والعبر، والفوائد بمعنى إعمال الفكر في نصوص السنة ومعانيها، وأحداث السيرة العطرة، ثم نستخرج منها الفوائد، والأحكام، والدروس والعبر، مع ربط ذلك بواقعنا المعاصر، وما يستجد فيه من أحداث ووقائع، واستلهام المواقف التي ينبغي أن نقفها (في تلك الوقائع والأحداث) من تلك الدروس والعبر، وألا يقتصر أسلوب العرض، والكتابة على السرد التاريخي، أو القصصي للأحداث، أو التبويب، والترتيب لنصوص السنة المطهَّرة، أو الاقتصار على مجرد تحقيق لكتابٍ من كتب السيرة أو السنة المخطوطة مع إغفال ذلك الجانب، فلا شك في أن الانتفاع بذلك يكون قاصراً.
* وماذا عن صفات من يتولى ترجمة كتب السُنة والسيرة، وهل ثمة شروط يجب توافرها في هؤلاء المترجمين.
- يجب أولا أن يُختار المترجمونَ للمادة المرشحة للترجمة في السُنة، أو السيرة من أهل البلد المراد الترجمة له، مع مراعاة دينه، وورعه، وتقواه قبل علمه بالشرع، وباللغة العربية، وباللغة المُراد الترجمة لها، والمفترض أنها لغة بلده، وأنه أتقن لها من غيره، فمراعاة ذلك أقرب للانتفاع وأجدر، إذ هو أعلم بمرادفات لغته، ومعانيها من غيره، وهو أدرى بلهجات قومه، وبالأسلوب الذي يصل إلى عقولهم، وقلوبهم، ومداركهم.
* من وجهة نظركم كيف يمكن توظيف وسائل الاتصال الحديثة لخدمة السُنة والسيرة على أوسع نطاق؟
- يمكن ذلك بجمع وتبويب، وفهرسة المواد العلمية المجموعة في السُنة والسيرة، ثم في نشر هذه الترجمات وتعميم النفع بها، من خلال فتح مواقع لمراكز خدمة السنة والسيرة على الإنترنت، يقوم عليها متخصصون يتابعون باستمرار كل جديد، ويجيبون عن كل استفسار، ويظهرون للبشرية جمعاء:كمال هذا الدين، وجلاله، وتمامه من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته الصحيحة، ثم تنزل هذه الكتب المترجمة وغيرها من أبحاث السيرة ومصادرها، في تلك المواقع، بحيث يتاح لكل مسلمٍ -بل ولغير المسلم- في أي مكان من العالم أن يطلع عليها، ويقوم بنسخها، والاستفادة منها متىما أراد ذلك، ولا ينبغي أن يكون توزيع هذه الكتب، والترجمات قاصراً على الجامعات، والمراكز البحثية، وطلبة الدراسات العليا، وعدد قليل من المسلمين، بل ينبغي تيسير وصولها لكل المسلمين في أنحاء الدنيا، بل ولغير المسلمين ممن أراد الاطلاع على حقيقة هذا الدين، ودراسته.
ومن المفيد في هذا الصدد نسخ هذه الكتب، والبحوث الصحيحة، والمترجمة على اسطوانات ليزر لتعميم النفع بها لدى قطاعات أكبر وشرائح أوسع في المجتمع، بحيث توزع بكميات كبيرة، ولا بأس بأن يخصص جزءٌ منها لبيعه بأسعار رمزية مناسبة للجميع، ويستعان بريع ذلك في تطوير العمل، وتحسينه.
* تثار كثير من الأباطيل والشبهات من قبل أعداء الإسلام عن السُنة والسيرة النبوية، فما هي من وجهة نظركم أفضل وسائل مواجهة هذه الأباطيل؟
- يجب ألا يُكتفي في هذا المجال بما كُتب عن الموضوع من قبل، بل لابُدَّ من الاطلاع على كل ما يدار، ويجري من حولنا، وما يثار بين الحين والآخر من شبهات، وأباطيل، والقيام بردها ودحرها أولاً بأول، وأن يكون هذا الرد جامعاً بين الأسلوب العلمي والمنطقي، وأن يكون بلغة سهلة وعبارة واضحة، ليستفيد منه أكبر عدد من المسلمين، كذلك ألا يقتصر الرد على بعض الوسائل دون بعض، بل نستعمل في ذلك كل الوسائل المتاحة لنا: (إنترنت، وكتب، ونشرات وإذاعة، وتلفزيون، وبرامج فيديو، وندوات، ولقاءات) ومن المهم أيضاً أن لا يقتصر الخطاب على المسلمين، بل يوجه كذلك لغير المسلمين، وبلغتهم، ليعلموا أن لهذا الدين رجاله وحماته، ولإقامة الحجة عليهم، ولدعوتهم إلى الحق، والنور، والهداية.
* يزخر العالم الإسلامي بالمئات من ذوي الخبرة والاختصاص في علوم السُنة والسيرة، فكيف يمكن الاستفادة من هؤلاء للعناية بهدى السنة السيرة النبوية؟
- الاستفادة المثلى من ذوي الخبرة والاختصاص، والشهرة العلمية في مجال السُنة والسيرة النبوية تكون طريق استكتابهم، أو إقامة الندوات، ودعوتهم للمشاركة، والتعاون معهم للارتقاء بالخدمة المقدمة للسُنة والسيرة النبوية على ألا يقتصر العمل على مراكز، أو مؤسسات أكاديمية، أو يحصر في أفراد معينين، بل أن تلزم الأمة بطريقتهم، ومنهجهم ويفتح المجال لكل متخصص سليم المعتقد، والمنهج في أي مكان من أرض الله ليدلي بدلوه، ويخرج ما في جعبته، وبذلك تتلاقى الأفكار، وتنمو المعارف، وتتسع المدارك، ونصل إلى الكمال المنشود، أو ما يدانيه بإذن الله سبحانه وتعالى.
* كيف ترى حجم التنسيق والتعاون بين الهيئات، والمراكز العلمية الإسلامية، ولاسيما المعنية بالسُنة والسيرة؟
- هذا التنسيق والتعاون بين الهيئات، والمراكز العلمية والبحثية، وخاصة منها المتخصصة في مجال السُنة والسيرة النبوية، في سائر البلدان، الإسلامية وإن كان موجوداً إلا أنه ليس علىمستوى الطموحات، والتحديات التي تواجه الأمة، ولابد أن يشمل المؤسسات الموجودة في الدول غير الإسلامية، لتبادل الخبرات، والمعلومات فيما بينها، والاستفادة مما لدى الآخر،والتعاون بين الجميع، وأن يكون الهدف هو خدمة السيرة والسُنة النبوية، لا أن يكون الهدف إبراز المركز أو الهيئة، أو المؤسسة حتى ولو كان ذلك على حساب دقة العمل، وإتقانه، وسرعة إنجازه، ومن ثمرات التنسيق مع الآخرين تجنب تكرار بعض الأعمال العلمية، وتوزيع المهام بين الجميع، مما يؤدي لسرعة إنجاز العمل، وإتقانه، واختصار الوقت، والجهد ومن أعظم ما يعين على ذلك الإخلاص لله تعالى، وأن يكون الله، والدار الآخرة محط أنظار الجميع لايريدون غيره، ولا تَطَلُّع لأحَدِهم إلى سواه - سبحانه وتعالى-.
* وهل ثمة ضوابط ومعايير ترون ضرورة توافرها، والتأكد منها في أي بحث، أو دراسة في مجال ترجمات السُنة والسيرة؟
- قطعاً لابد من وجود ضوابط مُعينة، ومعايير ثابتة واضحة لتكون معياراً لك لبحث، أو عمل علمي يقدم للنشر، ولا يترك اختيار المادة المرشحة للنشر للآراء الشخصية، أو الأهواء، والمصالح الخاصة، ومن أهم هذه المعايير الصحة، والشمول، والوضوح، وسهولة العبارة، وجودة التحقيق العلمي للمادة المرشحة للنشر، ولاسيما عند القيام بتحقيق ما يمكن تحقيقه من كتب السُنة والسيرة النبوية، سواء كانت مخطوطة، أو مطبوعة إذا لم يكون مستوى تحقيقها على الوجه الأمثل، وذلك ليكثر النفع بالكتاب، وتعظم الاستفادة منه، كذلك عن القيام ببحوث، ودراسات تكميلية، وتقويمية لعمل الهيئات، والمراكز الخاصة بخدمة السُنة والسيرة، لاستدراك ما يكون فيها من قصور، وتصحيح ما قد يحصل من خلل، لتكون المسيرة أولاً بأول على صراط مستقيم.
|