ما يقرب من 35 عاماً مضت على إنشاء أول كلية للبنات في بلادنا، أثبتت خلالها المرأة السعودية أنها محبة للتعليم، قادرة على التفوق في جميع فروعه النظرية والتطبيقية، والحصول على أعلى الشهادات والدرجات العلمية، دون أن تتخلى عن كرامتها وحشمتها ووقارها، وفق ما تقتضيه الشريعة الغراء.
ومع اتساع قاعدة التعليم الجامعي للبنات، وانتشار كلياته في جميع مناطق المملكة، تزايدت مساحة الابتكار والإبداع العلمي للفتاة السعودية، ومما يؤكد ذلك تزايد عدد رسائل الماجستير والدكتوراه للأكاديميات السعوديات في جميع فروع العلم بأقسامه الأدبية والعلمية، ومما يثلج الصدر أن نعلم أن عدد السعوديات الحاصلات على درجتي الماجستير والدكتوراه خلال الأربعة أعوام الماضية فقط تجاوز 660 رسالة ماجستير و 303 رسائل دكتوراه، وفق دليل عناوين رسائل الماجستير والدكتوراه الذي أصدرته عمادة الدراسات العليا والبحث العلمي بوكالة كليات البنات، الذي أهداني إياه الصديق الأستاذ الدكتور عبدالله الحصين وكيل كليات البنات، ضمن مجموعة من إصدارات الوكالة.
وحقيقة لم أستطع أن أخفي دهشتي الممزوجة بالسعادة وأنا أطالع عناوين هذا الكم الكبير من الرسائل العلمية في جميع التخصصات، الذي يدل على تطور هائل في التعليم الجامعي، وطفرة رائعة في مجال البحث العلمي بكليات البنات في جميع المناطق، وهو خير رد على المشككين في قدرة الفتاة والمرأة السعودية على دراسة العلوم التطبيقية مثل الكيمياء والفيزياء والرياضيات، وتقنيات الحاسب الآلي، بنفس درجة إجادتها للعلوم الإنسانية والنظرية، كما أنه رد على الزاعمين أن تقدم الفتاة مرهون بانسلاخها من عفافها وتدينها وحجابها.
وإذا كان تفوق المرأة والفتاة السعودية في العلوم الإنسانية والنظرية، يرجع إلى أنها درست هذه العلوم مبكراً، وبوقت أسبق لدراستها للعلوم التطبيقية، إلا أنها أثبتت من خلال الأقسام العلمية بكليات البنات على الرغم من حداثة عهدها مقارنة بالأقسام الأدبية، أنها تمتلك من الجد والمثابرة والإصرار ما مكنها بالفعل من التفوق في هذه العلوم، والحصول على أعلى درجاتها العلمية ببحوث ودراسات تلبي احتياجات المجتمع السعودي، وخططه التنموية، وتطلعاته المستقبلية، ووصل الأمر إلى حد أن أكثر من 50% من أعضاء هيئات التدريس بالأقسام العلمية والأدبية بكليات البنات من السعوديات الحاصلات على درجتي الماجستير والدكتوراه.
وإذا علمنا أن عدد كليات البنات الآن هو 102 كلية يدرس بها أكثر من ثلاثمائة ألف طالبة، يصبح من حقنا التفاؤل والتطلع إلى الوصول بمعدلات سعودة هيئات التدريس في هذه الكليات إلى نسبة 100%، على غرار ما حدث في قطاع التعليم العام قبل الجامعي، كما يصبح من حقنا الحلم بأن نرى من بين الباحثات السعوديات من حملة الماجستير والدكتوراه نماذج مؤثرة ومشرفة في كبرى المحافل العلمية في كافة التخصصات، يدعم ذلك الإمكانات الضخمة التي توفرها الدولة - حفظها الله- لتشجيع البحث العلمي في كليات البنات من معامل، والتوسع في برامج الدراسات العليا، وغيرها من مظاهر الرعاية بتعليم البنات، التي توجت بإعلان صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني تحويل كليات البنات إلى جامعة، وهو ما يعطي للتعليم الجامعي للبنات دفعة قوية لتنظيم الجهود، وتوظيف الإمكانات المتاحة، بما في ذلك الكوادر البشرية، لتعظم المخرجات، بما في ذلك مخرجات البحث العلمي.
وتبقى كلمة أخيرة نهمس بها في أذن الباحثات والدارسات والأكاديميات، وهي أن الهدف المنشود من البحث العلمي ليس مجرد الحصول على الماجستير أو الدكتوراه، ولقب الدكتور الذي يسبق الاسم، بل الهدف هو تقديم بحوث ودراسات تسهم في تطور المجتمع ورقيه في جميع المجالات، وهنا لابد أن تكون هذه البحوث والدراسات نابعة من احتياجات المجتمع، وواقعه وتطلعاته، وأن تمتلك قابلية التنفيذ، لا أن تظل حبيسة الأدراج، وأسيرة أرفف المكتبات، والتجارب من حولنا تؤكد أن الدول الأكثر اهتماماً بالبحث العلمي هي الأكثر تقدماً، وإذا كانت فرحتنا بهذا العدد الكبير من رسائل الماجستير والدكتوراه التي حصلت عليها المرأة السعودية، فإن الفرحة ستكون أعظم إذا وضعت هذه الدراسات والبحوث في خدمة المجتمع، وقضاياه المعاصرة.
|