تكلمنا في الوقفة السابقة عن شرط السلامة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأوضحنا الشرط في ذلك ولماذا وتكلمنا عن خطورة التأويل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونختتم هذه الوقفات بكلام لطيف للإمامين النووي وابن رجب الحنبلي رحمهما الله حيث يقول الأول: (واعلم ان هذا الباب اعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره أزمان متطاولة ولم يبين منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهاب من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قال {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} وقال تعالى {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وقال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وقال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} واعلم ان الأجر على قدر النصب ولايتركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه فإن صداقته ومودته توجب له حرمه وحقاً من حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه وعدوه يسعى الى ذهاب نفع آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه وإنما كان إبليس عدواً لنا لهذا وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء المؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها ويقول الثاني: (واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل عليه رجاء ثوابه وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه وتارة النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة، وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته وانه أهل أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر، وأن يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
|