الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة ربانية أمرك الله تعالى بإقامتها لتكون ملازمة لك في هذه الحياة فهي مما يميز المجتمعات المسلمة، وعندما يغيب تطبيق هذه الشعيرة عن واقعك الشخصي أو على أقل الأحوال عندما يضعف تجد في نفسك ضعفاً وخوراً يزداد بازدياد ذلك الضعف والغياب مما يترتب عليه ضعف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنفس المقدار في نفسك، وما تجده في نفسك من ضعف وخور ربما لا يتجلى لك إلا عندما تكون على محك الحلال والحرام والمسموح والممنوع والخير والشر فإن كان داعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نفسك داعي قوة تجد نفسك بطوعها ملتزمة بالحلال ملتزمة بالبعد عن الحرام، قريبة إلى المسموح بعيدة عن الممنوع، ومستأنسة بالخير، جافلة عن الشر، وهكذا!!
فعلى سبيل المثال إذا نادى المنادي للصلاة وأحدنا في فراشه نائم أو لم ينم بعد تجده يهب لأداء الصلاة مع الجماعة رغم لذة المنام ودفء الفراش فذلك رجل نفسه لم تضعف بل هي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أما لو كانت حالته هي الأخرى فستجده قد أخلد إلى الأرض واتبع هواه فصارت نفسه تتدرج من ضعف إلى ضعف حتى ضعف داعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لديه!! وكذلك إذا كانت العين ترى جمالاً لا يحل لها أن تراه فإن أطالت النظر واتبعت النظرة النظرة فقد ضعف داعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لديها وإن غضت الطرف فقد قوى ذلك الداعي، ولعلنا نقف مع هذا الموقف وقفة يسيرة نستلهم منها الدروس والعبر والمثال الحي لما نحن بصدد الحديث عنه فقد روى ابن عباس - رضي الله عنه - (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده) فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به فقال لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم، والشاهد هنا قوله (والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله)، فمن هذا الحديث يتضح لنا مدى تلك القوة وذلك التأثير في استجابة تلك النفس لداعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكتاب والسنّة مليئان بتلك الصور الرائعة التي تتجلى فيها قوة داعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثره البالغ في النفس!!
الحديث كما قيل ذو شجون لكن النفس في الغالب بين مدٍّ وجزر، فحين تجدها مكبلة بالشهوات قد ضعف فيها داعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكنه لم يختف ولم يمح بل هو متأصل فيها لكن عليه شيء من الران، وحينا آخر تجدها حرة طليقة من أسر الشهوات قد قوي فيها ذلك الداعي، وما دام أن النفس المسلمة في الحقيقة بهذه الأصالة وهذا النقاء وهذا الصفاء ثمة سؤال يطرح نفسه ما دورنا في استمرار النفس المسلمة في توهجها المنضبط والمستجيب لداعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما دورنا في أن تفيق تلك النفس وتزيل الغبار من جوانحها والران من رحابها فيقوى ذلك الداعي فتصفو ويزول سقمها ويختفي ألمها وتصلح حالها والذي به صلاح للمجتمع.
|