تتعرض الأمة الإسلامية لضغوطات كثيرة من أجل تغيير حياة أفرادها، وفرض أنظمة مستوردة بأسماء مختلفة؛ ما بين الديموقراطية وحقوق الإنسان حسب مفاهيمهم، إلى حرية المرأة ومحاربة الإرهاب، وغير هذا من مسميات لهدف مقصود ترتاح إليه دولة العدو إسرائيل، وكأن تعاليم الإسلام، بل كأن أنظمة العالم المراد فرضها على العالم الإسلامي نابعة من إسرائيل؛ دراسة وطبخاً.. تفتق عنها فكر أبناء صهيون في بروتوكولاتهم الحديثة.
فهل الإسلام بتعاليمه قاصر عن استيعاب أمور الحياة وتنظيمها؟ أم المراد مما يراد فرضه على المسلمين هو الإقصاء المتعمَّد للمسلم عن دينه، وفصله بذلك عن جوانب الحياة المختلفة؛ حتى يسهل قيادة المسلمين وقهرهم على مبدأ المثل الإنجليزي (جوِّع كلبك يتبعك)؟ وما ذلك إلا أن الأعداء ما تكالبوا على الشرق الإسلامي إلا لحماية ركيزتهم إسرائيل. نموذج ذلك ما نراه من تسلط على المسلمين في غزة وغيرها، وإرهاب شارون، وغير هذا من أمور برزت.
فهل تحقق لهم ما أرجفوا من أجله؟ إن مَن يدقق الأخبار يدرك أن الأمر بحمد الله عاكسهم، فالعراق مقبرة للجنود، يبين ذلك من كثرة مَن يُقتل، وانتشار الانتحار لدى العسكريين الأمريكان، وتبرُّم الأسر على ذويهم، وبدء اختلاف الكلمة مع قرب الانتخابات.
أما كبار القادة من الحلفاء، فإن قلوبهم مضطربة بعدما عاينوا من المقاومة وعدم الاستقرار.
ثم جاءت فضحية سجن أبو غريب.. وما وراءها من إساءة لسمعتهم دولياً، يوضح ذلك موقع الأنجلو الأمريكي الذي يشرف عليه البنتاجون الأحد 15-2-2004م الذي جاء فيه أن معدَّل انتحار الجنود الأمريكان في العراق والكويت تزايد بشكل كبير منذ منتصف يناير 2004م، وفي ازدياد مطرد.
ذلك أن ما بني على باطل فإن نتائجه الباطل، فقد كانت بداية المجيء للمنطقة المعلنة باسم الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م وما حدث لمركز التجارة والبنتاجون بعد إلصاق التهمة بالعرب والمسلمين ككبش فداء، إلا أنه قد كشف تقرير أمريكي حديث أنه لا وجود لعربي واحد بين ركاب الطائرة التي اصطدمت بالبنتاجون. وهذا نص التقرير الذي نشرته مجلة التقوى اللبنانية: كشف تقرير المعهد العسكري الأمريكي (للباثلوجي) التابع لوزارة الدفاع الأمريكية أنه لا يوجد عربي واحد على متن الطائرة التي اصطدمت بمبنى البنتاجون 11 سبتمبر عام 2001م، وذلك بعد تحقيقات وفحوص وبحوث واختبارات مضنية، وصفها بعض المختصين بأنها الأكثر شمولاً وتكاملاً في مجال بحوث الطب الشرعي في تاريخ الولايات المتحدة.
وأكد الدكتور توماس أولمستيد الذي كان ضابطاً بالسلاح البحري الأمريكي، ويعمل حالياً كطبيب للأمراض النفسية في ولاية (لويزيانا)، الذي طالب السلطات الأمريكية في 3 أبريل 2002م بقائمة رسمية بالصفة التشريحية لمَن كانوا على طائرة شركة أمريكان في الرحلة 77 التي اصطدمت بالبنتاجون؛ إعمالاً لقانون حرية تداول المعلومات الأمريكي. وتشير الدراسة إلى أن الاستجابة لطلب الدكتور (أولمستيد) جاء في 20 يونيو عام 2003م، عندما تسلَّمها من (بوني شدروت) مسؤول معهد القوات المسلحة الأمريكية للباثولوجي التابع للبنتاجون، وذلك بعد مرور 14 شهراً من طلب الدكتور (أولمستيد) الحصول على القائمة.
ويقول الدكتور (أولمستيد) تعليقاً على ذلك: ها قد حصلت على القائمة، صدقوني إنهم لم يكونوا سعداء بأي شكل قبل أن يسلِّموها لي، وفي الحقيقة ليس لدي أي فكرة عن اختيارهم الوقت الراهن 20-6-2003م للإفراج عنها.
ولاحظ الدكتور (أولمستيد) أنه لم يوجد عربي واحد ضمن 58 شخصاً، الذين كانوا على متن الطائرة التي اصطدمت بالبنتاجون، وهم 55 أمريكياً وصينيان واسترالي واحد، وهو ما دعاه إلى التساؤل: أين الخاطفون العرب الخمسة الذين زعمت الإدارة الأمريكية ضلوعهم في الحادث؟! ومضى الدكتور (أولمستيد) إلى القول: أعتقد أن الوحوش الذين دبَّروا هذه الجريمة ارتكبوا خطأً عندما غفلوا عن تضمين قائمة الركاب الأصلية أسماء عربية؛ ليجعلوا الأكذوبة أكثر تأثيراً (التقوى العدد 134 ص 48). وهذه الفرية أرادوا منها جعل الإسلام كبش الفداء في تخطيطهم. والكذبة الثانية التي جعلوها مبرراً لحضور جيوشهم وقضِّهم وقضيضهم للشرق الأوسط، ثم استباحة العراق بحربهم المدمرة باسم أسلحة الدمار الشامل والسعي لإنتاج قنابل جرثومية ونووية في العراق، بانت للرأي العام العالمي على أنه لا صحة لذلك، ولم يجدوا شيئاً يسيراً يتعلقون به، فكيف بما جسموه خطراً كبيراً؟!
فهل هذه الأكاذيب والمفتريات، وما وراءها من تلبيس وقلب للحقائق من ابتكار رجال المخابرات عندهم، من باب الغاية تبرر الوسيلة؟! وفي هذا نرى حقائق كثيرة بدأت تتكشف مع قرب الانتخابات وبروز خصوم البوش يزاحمونه على أصوات الجماهير، أبان المحللون والمتابعون للأحداث كثيراً منها، وستبدي الأيام أشياء أكثر، كما قال الشاعر:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار مَن لم تزوِّدِ |
ثم كانت فرصة لليهود، تحت الحماية الأمريكية، لزيادة العنف ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ومتابعة لقياداته تصفية وإرهاباً وتقتيلاً.. وتكشيراً عن الأنياب الكالحة ضد الإسلام، وتعاليم ربِّ العالمين؛ ليجعلوا الإسلام بقاعدته الأساسية: كتاب الله القرآن الكريم، وسنة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إرهاباً ومنبعاً برسالته السمحة العادلة -في زعمهم- للإرهاب، بل بلغت بهم الجرأة إلى الرغبة في حذف آيات كريمات من القرآن تخبر عن أحوال اليهود وأعمالهم، وعن آيات الجهاد، مع تكثيف الإعلام ضد الإسلام.
ويحسبون أن تبديلهم كلام الله، وجهدهم في تشويه ما جاءهم من الحق بما تصف ألسنتهم سيندرج على القرآن الكريم، الذي قال الله سبحانه فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9). فكان هذا بتأكيدات متتالية، كما ظنوا بعد أن دخلوا بنفوذهم وأساليبهم الملتوية إلى بعض القلوب في ديار الغرب، لكي يساعدوهم ويساندوهم، أن ذلك بقدراتهم ومواهبهم، فأصابهم الغرور، والله يمهل ولا يهمل سبحانه.
فقد أخبر سبحانه أنهم يسعون في الأرض فساداً، وأن بأسهم بينهم شديد، وأنهم لا يعملون لجبنهم إلا بحبل من الله، وحبل من الناس، فحبلهم من الله منقطع؛ لكفرهم وبما استحقوه من لعن الله لهم في أكثر من مكان في كتابه الكريم، وبقي حبلهم من الناس، والأيام بإذن الله كفيلة بقطعه؛ لعدوانهم وظلمهم وفسادهم في الأرض، والله لا يحب المفسدين.(للحديث صلة)..
الله غيور على نعمه
جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة أن أبا جعفر المنصور سمر ذات ليلة فذكر خلفاء بني أمية وسيرهم، وأنهم لم يزالوا على استقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين، وكانت همتهم -مع عظم شأن الملك وجلالة قدره- قصد الشهوات، وإيثار اللذات، والدخول في معاصي الله ومساخطه جهلاً باستدراج الله، وأمناً لمكره، فسلبهم الله العزَّ، ونقل عنهم النعمة. فقال صالح بن علي: يا أمير المؤمنين، إن عبدالله بن مروان لما دخل النوبة هارباً فيمن تبعه سأل ملك النوبة عنهم، فأُخبر، فركب إلى عبدالله، فكلمه بكلام عجيب في هذا النحو، لا أحفظه وأزعجه عن بلده.. فإن رأى أمير المؤمنين أن يدعو به من الحبس.. بحضرتنا هذه الليلة، ويسأل عن ذلك.
فأمر المنصور بإحضاره، وسأله عن القصة، فقال: يا أمير المؤمنين، قدمنا أرض النوبة، وقد أُخبر الملك بأمرنا، فدخل عليَّ رجل أقنى الأنف، طوال، حسن الوجه، فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب، فقلت: ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا؟ قال: لأني ملك، ويحق على الملك أن يتواضع لعظمة الله إذا رفعه الله، ثم قال: لأي شيء تشربون الخمر وهي محرمة عليكم؟ قلت: اجترأ على ذلك عبيدنا وغلماننا وأتباعنا؛ لأن الملك قد زال عنَّا، قال: فلم تطؤون الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم؟ قلت: يفعل ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم، قال: فلم تلبسون الديباج والحرير، وتستعملون الذهب والفضة وذلك محرَّم عليكم؟ قلت: ذهب الملك عنَّا، وقلَّ أنصارنا، فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا، فلبسوا ذلك على الكره منَّا.
قال: فأطرق ملياً، وجعل يقلب يده وينكت الأرض ويقول: عبيدنا وأتباعنا وقوم دخلوا في ديننا وزال الملك عنا، يردِّده مراراً، ثم قال: ليس ذلك كله كذلك، بل أنتم قوم قد استحللتم ما حرَّم الله، وركبتم ما نهاكم عنه، وظلمتم من مُلِّكتم أمرهم، فسلبكم الله العزَّ، وألبسكم الذُّل بذنوبكم، ولله فيكم نقمة لن تبلغ نهايتها، وأخاف أن يحلَّ بكم العذاب وأنتم ببلدي، فيصيبني معكم، وإنما الضيافة ثلاثة أيام، فتزودوا ما احتجتم، وارتحلوا عن بلدي (1).
(1) عيون الأخبار 1: 205 |