هل يستطيع هؤلاء الذين غُرِّر بهم أن يستفيدوا من الفرصة الذهبية التي منَّ بها خادم الحرمين الشريفين في خطابه الذي ألقاه نيابة عنه ولي العهد الأمين؟ حيث أوضح بأسلوب الفصاحة المتناهية، وهيبة العزيمة القصوى، وحكمة القيادة الإسلامية الواعية الرشيدة بأن الفجوة التي تتعرض بين الوطن وبين بعض الخارجين عليه يمكن ردمها وبسرعة متناهية، وبسهولة فائقة، حيث لا يتطلب ذلك أكثر من توبة نصوح، ورجعة عن الغي، والاحتكام إلى أخلاق الشريعة السمحاء، والموروث الاجتماعي القيم، ورأفة بالآباء والأمهات الذين تتمنى القيادة الحكيمة ألا تراهم ثكالى باكين لفقدانهم أبناءهم. ما يستطيع ردم هذه الفجوة هو الاستتابة التي أعلن عنها، والتوبة ممن سمعوا، ورأوا، ووعوا الحقيقة كاملة، وهي :إن سواعد العزم قادرة بحول الله على إنقاذ الوطن والمواطنين من كل الشرور مهما تعالى مداها وكبر خطرها.
ما جاء في هذه الكلمة الطيبة يرسم دستورا للحكم الحقيقي في عالمنا الإسلامي كله. فأية حكمة هذه التي تتحلى بها قيادتنا، وقد ارتفعت على الجراح، أعلنت أنها لا تزال تعتبر هؤلاء أبناء الوطن، لكنها لم تبق الأمر مفتوحا على تخريجاته وتأويلاته، لذلك حدد خادم الحرمين الشريفين يرعاه الله مهلة شهر ليؤوب الضالون عن ضلالهم، ويرجع المارقون عن مروقهم وتعود اللُّحْمة إلى أبناء الوطن كما كانت دائماً: يداً بيد وعزماً يردف عزماً، والكل للوطن وفي وجه الأعداء.
ولست أدرى أية حجة بقيت لهؤلاء حتى يستمروا في دروب الضياع، بل لست أدرى موقفا أعظم رأفة وأفضل حكمة يمكن لهم أن ينتهزوه ليثبتوا أن من بنيت خلاياه من ماء هذا الوطن لا يمكن أن يكون إلا الابن البار للوطن وأهله, وإلا فالسواعد جاهزة للمقارعة والنيل من كل باغ أثيم لم يستمع إلى صوت الحق، ولم يستطع التغلب على هواه وغواية شيطانه من الإنس الذين باعوا أنفسهم في مزاد الشر، ولن يجدوا لذلك ثمناً إلا الهوان والموت الزؤام، ولكن الباب لا يزال مشرعاً، والقلوب لا تزال مفتوحة، ورمال الوطن لا تزال تنتظر الخطى التائبة تعبر فيها إلى نهج الحق بالوضوح التام الذي كان عليه خطاب خادم الحرمين الشريفين.
أسأل الله أن يكون هؤلاء ممن سمعوا فأحسنوا السمع، وفكَّروا فأعملوا الفكر، وقرروا فأصابوا القرار الصحيح، فقد آن الأوان أن يعترف الخاطئون بخطاياهم، وأن يدركوا تمام الإدراك أنهم زائلون وأن الوطن باق، وأن نطحهم صخرته سيكسر قرونهم ورؤوسهم، وتبقى الصخرة صلبة شامخة لا يطالها سوء أو مكروه بعون الله، وهو ما يصدق فيه قول شاعر جاهلي (أعشى قيس):
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
فلم يضرْها وأوهى قرنَه الوعلُ |
...وتاليتها؟!!
فاكس: 2051900 |