*حلقات أعدها - عبدالرحمن العطوي:
ستة أعوام والنزيل بسجن تبوك (ي.ط.ب) البالغ من العمر 25 عاماً منتهية مدة حكمه وينتظر الفرج فيمن يفك كربته، هذا الشاب الذي أعياه التعب والتفكير في مصيره وهو من أسرة لا تملك من حطام الدنيا شيئاً وأكبر إخوته ووالده لايعمل، فكيف لهذه الأسرة بهذا المبلغ الكبير الذي يرهق كل إنسان ولو كان مقتدراً ؟!
.. فتعالوا لنتعرف عن قرب على صاحب هذه القصة المأساوية.
* حدثنا بالتفصيل عن قضيتك؟
قضيتي بدأت قبل أكثر من ستة أعوام ونصف حيث حدثت مشاجرة عادية في الحي الذي نسكنه وكانت بيني وآخر وبعض المقيمين من جنسية عربية يجاورنا السكن، وقد تملكني الغضب حين بدأ أخصامنا في الاعتداء علينا وأخرجت سكيناً وضربت بها أحد الأشخاص وأصابت الضربة عينه اليمنى ولم أقصد أن أقتلع عينه بل كنت أضرب ولا أدري عن نفسي من الغضب الذي كان فيَّ، ولم أعِ ما حدث إلا والدماء تنزف من عين خصمي. وقد ندمت ندماً شديداً عن فعلتي لكن أحمد الله على قضائه وقدره، وقد جاء التوجيه بنظر قضيتي تجاه الحقين العام والخاص، أما العام فقد تم إحالتي للمحكمة المستعجلة بتبوك وصدر الحكم بسجني ستة أشهر أما الخاص فكان أن يدعي علي المصاب والذي جلسنا أنا وإياه في محكمة تبوك وصدر الحكم الشرعي بإعطاء هذا المقيم طلبه، وهو أن تقلع عيني كما قلعت عين خصمي وقد بذلت جهوداً كبيرة من أهل الخير لدى خصمي وأسرته من أجل التنازل عني فأصروا على تنفيذ الحكم الشرعي بأن تقلع عيني ولم تترك أسرتي وجماعتي وأهل الخير طريقاً إلا وسلكوه لكن إصرار أهل المجني عليه بعدم التنازل حال دون ذلك. وكان فرج الله أن طلب خصمي أن يتم التنازل مقابل خمسة ملايين ريال عن عينه نحن لا نملك حتى الجزء القليل من هذا المبلغ. وقد كان لتدخل سمو سيدي صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك يحفظه الله فهو رجل البر والإحسان لدى خصمي كان لذلك أن خفضوا المبلغ من خمسة ملايين ريال إلى مليون ونصف المليون ريال وكان ذلك في 27 رمضان 1422هـ والان قاربت المدة أن تصل إلى ثلاثة أعوام من هذا التنازل ولي بالسجن ستة أعوام ونصف لم نستطع أن نجمع من هذا المبلغ سوى 250ألف ريال تبرع بها فاعل خير وبقي مليون ومائتان وخمسون ألف ريال لم نجمع منها شيئا وخصمي يصر على أن لا أخرج من السجن إلا وكامل المبلغ مليون ونصف المليون ريال في يديه وها أنا أمامك أعاني ما أعاني من العذاب فالعمر يمضي وأنا متوقف على دفع هذا المبلغ ولن أخرج إلى أن أجد من يدفعه، وبين معاناة والدي وهو كبير في السن ووالدتي الذين يحضرون لي في كل زيارة للسجن وأني أشعر بالألم لرؤيتهم وحال والدي يقول ماذا نفعل لك يا بني؟!
* هل أنت متزوج؟
لا.. فأنا لم أتزوج بسبب هذه القضية والسجن كما أنني وقت حدوث الحادثة كان عمري 18 عاماً وكنت منتظماً في الدراسة ومن تاريخ القضية انقطعت عن الدراسة حيث لم تسعفني حالتي النفسية في مواصلة دراستي فأنا أفكر طوال سجني قبل التنازل عن حال عيني التي ستقلع وبعد ذلك كان التفكير في هذا المبلغ الباهظ فالدراسة تحتاج إلى صفاء الذهن والذاكرة وأنا حالي كله في التفكير في قضيتي والذنب الذي ارتكبته في لحظة طيش.
* هل أنت نادم على ما حدث؟
كيف لا أندم.. وقد عشت طوال هذه السنين وفي أهم مراحل عمري خلف الأسوار بسب لحظة تقدر بثوانِ ترتكني في هذا السجن سنوات، والله يعلم ماذا يحدث في أمري وعن المبلغ الذي أفكر فيه ومن أين آتي به، فأنا قد تشوقت للخروج وأول ما أخرج سأذهب لبيت الله لأشكره على خروجي وأؤدي العمرة وأعوض والدي عن السنوات التي قضيتها في السجن فهم يتألمون الآن من ألمي.
* كلمة نصيحة.. لمن توجهها؟
إلى كل إنسان وخاصة الشباب أن يتقوا الله وأن يبتعدوا عن المشاكل فللأسف كثر الآن في هذا الزمن المشاكل وأصبح الكثير من الشباب يحمل في جيبه سكيناً فليفكر لحظة واحدة في قصتي أو يسمع مافي دور الملاحظة والسجون من شباب صغار السن موقوفين في قضايا قتل أو إصابات أو عاهات تسببوا بها كما هو الحال في قصتي وليفكروا بأسرتهم والمعاناة التي جلبوها لها ليفكر كل شاب في والدته التي لا تنام الليل وهو خارج المنزل وتضع يدها على قلبها على تأخره، أو حدوث - لاسمح الله - أي مكروه لابنها كيف حالها وحال والده وهو في السجن؟ هل يرتاحون في منامهم ؟ لا.. والله سيفكرون وتتغير حالتهم بسبب ابن سبب لهم هذه الآهات والآلام ولايضعون أسرهم وجماعتهم في مواقف لايحسدون عليها.. أدعوهم لمخافة الله والبعد عن رفقاء السوء وعدم حمل السلاح بأي نوع من أنواعه والتعوذ من الشيطان في لحظة الغضب فإن الشيطان عدو لدود للإنسان لعنة الله عليه.
* ماذا تقول في نهاية اللقاء؟
كلمتي وندائي لأهل الخير في بلادنا لمن يقدمون أعمالاً لوجه الله دون منّة منهم لمن يقفون بجانب المضطر ويلبون دعوته، فأنا أقول لهم كلمات أدعو الله أن تصلهم وعبر صحيفة (الجزيرة) جزى الله القائمين عليها كل خير ومن قام بعمل هذا اللقاء، فإن أردوا مساعدتي فقصتي أمامهم ومدير سجون تبوك وكل ضباطه وأفراده يعلمون عن قصتي والمبلغ الموقوف فيه فليفرجوا همي وليفرحوا أسرتي وأنا من النادمين على فعلتي وهي درس لي طوال عمري وقد استفدت من مكوثي في السجن في حفظ أجزاء كثيرة من القرآن فلقد استفدت من ذلك وهذا الشيء الذي أخرج به من السجن إن شاء الله كما أثني على المعاملة الحسنة التي نلقاها في السجن من كافة منسوبيه فهي شهادة لله سبحانه وتعالى.
* سؤال أخير.. ذكر لنا أحد الإخوان أنكم بصدد بيع منزلكم الذي تسكنه أسرتك من أجل دفع جزء من المبلغ؟
نعم.. والدي ينوي ذلك ونحن لا نملك سوى هذا المنزل فماذا يعمل والدي غير أنه يعرض المنزل للبيع من أجل أن يخف المبلغ علينا.
|