أدت الحاجة محلياً إلى مزيد من مقاعد الدراسة الجامعية وعدم تمكن ما هو متاح منها حكومياً الى ظهور مؤسسات تعليم عال خاصة، وهي وإن كانت تهدف الى تحقيق الربح في المقام الأول إلا أنها تعمل على تقليص الفجوة بين الطلب والعرض.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل ما يحدث الآن هو مجرد ردة فعل لتزايد الطلب على مواصلة الدراسة الجامعية والرغبة لدى المستثمرين لتحقيق الربح أم أن الاقتصاد المحلي يؤسس لقطاع اقتصادي جديد يمكن أن يكسب نفسه وبنسبية اقليمية وربما عالمية في بعض التخصصات، خاصة وأن المزايا النسبية لم تعد بالضرورة معتمدة على المتاح من الموارد الطبيعية بل أصبح للأفكار إلا بداعية الاستثمارية والإدارية دوراً كبيراً؟.
من مصلحة المجتمع والاقتصاد المحلي أن يتم التعامل مع مؤسسات التعليم الجامعي الناشئة في إطار رؤية شمولية ترتكز على فكرة التأسيس لانشاء قطاع اقتصادي جديد تحكمه مجموعة من الضوابط والمعايير تؤازره حزمة من الخدمات المساندة، التي في مجموعها تكون ما يعرف بصناعة في هذا المجال قادرة على توفير خدمة التعليم العالي وتصديرها الى الخارج.
والوصول الى هذا الهدف يستلزم وجود هيئة خاصة تهتم بمنح التراخيص اللازمة، ووضع المعايير والاشتراطات الضرورية والكافية لضمان جودة المنتج والتأكيد من الالتزام بها بصفة دائمة، اضافة الى تنظيم سوق هذه الخدمة بالقدر الذي يحقق الأهداف الوطنية.
ما يحدث الآن من فتح جامعة هنا وكلية هناك والتسابق على برامج الدبلومات بهذه الصورة لا يمكن أن يكون مؤسساً لقطاع جاد وفعال ومنتج يحمل أسباب البقاء والاستمرار ويوفر للمجتمع مزية نسبية.. ولعل أوضح مثال على ذلك طبيعة التخصصات التي تتيحها بعض هذه المؤسسات والرسوم التي تتقاضاها. فكثير من هذه التخصصات لا تراعي الأولويات التي رتبها الاقتصاد المحلي. أما الرسوم فكأن واضعيها لا يعون متوسط الدخل في المملكة، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث البحث في الإنترنت عن الأسعار التي تفرضها المؤسسات المماثلة اقليميا وعالمياً ولن تكون المقارنة في صالحهم، بل إن الرسوم التي تتقاضاها جامعات عريقة لها مئات السنين لا تشكل إلا نسبة مئوية مما تفرضه كليات محلية لم يمض على انشائها سوى شهور.
اطلعت على جدول الرسوم التي تفرضها كلية خاصة، والتي تلزم طلابها بدراسة اللغة الانجليزية لمدة سنة، وكانت الرسوم لتلك السنة 25000 ريال، في حين أن لدينا فروعاً لمؤسسات تعليمية أمريكية معروفة تقدم نفس الخدمة إن لم يكن أفضل بنصف المبلغ.
. والشيء بالشيء يذكر، لا أدري لماذا أصبحت دراسة اللغة الانجليزية إلزامية في الكليات والجامعات الأهلية في كل التخصصات وبهذا القدر المكثف وفي تخصصات لا تحتاجها بشكل كبير، على الرغم من كونها تزاحم مقررات التخصص وتؤدي إما لاطالة فترة التخرج للطالب - وبالطبع زيادة الايرادات - أو لعدم دراسة بعض مقررات التخصص - وفي هذا تقليص للتكاليف - وفي كلا الحالين زيادة الأرباح.
في حفل تخريج دفعة من طلاب وطالبات جامعة خاصة في دولة مجاورة كانت لغته الانجليزية على الرغم من كون الجامعة لا تهتم باللغة الانجليزية وآدابها كتخصص والمجتمع عربياً.. وكان الانجاز الأضخم الذي ركز عليه القائمون على الجامعة هو اكساب الطلاب والطالبات المهارات الأساسية لاستخدام اللغة الانجليزية وبدا ذلك واضحاً من خلال الكلمات التي تسابقوا لإلقائها وكأن الحضور في مناسبة لتشجيع طلاب المرحلة الابتدائية على الخطابة والتحدث بطلاقة.
ما يحتاجه المجتمع في المرحلة الحالية هو صياغة هذا القطاع الناشئ وفق الأسس والاعتبارات المهنية والحرفية التي تمكنه من المنافسة وتقديم الخدمة المناسبة بالسعر المناسب.. لئلا يأت زمن يطالب فيه المستثمرون بالحماية من المنافسة الأجنبية غير العادية ومنع استيراد التعليم الجامعي وإجبار الطلاب والطالبات على دعم المنتج الوطني.
|