عن ودهم, عن عطفهم، عن تواصلهم، عن خوفهم علينا وسؤالهم الدائم عنا، ورحمتهم ورأفتهم بنا...
لا استغناء لنا عن تكاتفهم معنا لنصبح كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وكأسنان المشط يعطي - في اصطفافه - أفضل النتائج. ومن يدعي إمكانية الاستغناء عن البشر يكون بادعائه قد ناقض نواميس الكون، وخالف ما دعا إليه الصادق الأمين (محمد صلى الله عليه وسلم) في أحاديثه وسننه.
***
أجل لا إمكانية لأن نستغني عن البشر، فنحن في احتياج دائم لهم مادياً.. ومعنوياً، بدنياً.. وفكرياً, مشورة، ورأياً، واقتراحاً, وتوعية، ووجهة نظر، وتوجيه.. بيْد أن احتياجنا لهم لا ينفي، ولا يلغي حاجتنا الضرورية لأنفسنا!! للاختلاء بها.. للتوحُّد معها - خلافاً لمرض توحُّد الأطفال - فتوحُّدنا مع نفسنا، واختلاؤنا بها، وحاجتنا إليها يوازي حاجتنا للبشر.. ويزيد..
أدخل غرفة نومي، أغلق دوني الباب، اختلي بنفسي ليس من أجل تلبية حاجة جسدي وذهني للقيلولة بعد عناء عمل يومٍ شاق، أو لأخذ بضع ساعات من الليل للنوم استعداداً لغدٍ تنتظرني فيه أعمال ومطالب ينهيها ذهن صاف، وجسد نال كفايته من سبات الليل.
أدخل غرفة نومي، وأغلق دون نفسي الباب لأختلي بها، وأحاورها، وأتحاور معها بعيداً عن الآخرين، لا مقتاً، أو رفضاً لهم.. بل لأن للنفس سقطات، وهفوات, ورغبات، وأماني، ومطامع، لا ضرورة لإطلاع البشر عليها، وكتمانها أفضل!! إما لأنها قد تعطي انطباعاً سيئاً عنّا.. وإما لأنها لا تخصنا سوى وحدنا دون سوانا وفي إظهارها تضارب مع قوله صلى الله عليه وسلم (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) وما أكثر حوائجنا الموافقة لأهواء البشر، والمخالفة لها.. وحصرها في نطاق الفرد ونفسه خصوصية لا بد منها.أحنُّ إلى نفسي وأحتاج فأغلق خلفي وخلفها باب غرفتي, ليس انطواء أو حباً في العزلة!! بل تودداً إلى كشف نقابي في وجهها وإزالة كل أثرٍ (لمكياجٍ) أو بقايا زينة ظهرتُ به أمام الناس كأيِّ فتاة تحرص على إيضاح صورتها الحسننة وتواري العيوب.
أمام النفس نستطيع كشف عيوبنا، وذكر وساوس دارت في أذهاننا، ونوايا كدنا أن نفعلها، ورغبات تساورنا لمراجعتها، وتصفيتها من الشوائب، والتي إن حدَّثنا بها بشراً ربما تُستغل ضدنا مستقبلاً، أو يعايرنا بها أو يأخذ صورة سيئة عنّا، ضاقت أو اتسعت.. وفي خروج روح تلك النفس وصعودها للسماء دفنُ للبوح النفسي.
قد يكون ذلك البشر من فئة الصديق الصدوق ولا خوف منه، بيْد أن ما كل صديق صدوق يجب علينا التحدث معه حديث النفس، وإلا ألغينا دور أنفسنا في حياتنا، وبتنا نلج غرفنا للنوم، ونغادرها بمجرد الاستيقاظ.. وهذا تقصير في حقها، وإلغاء لدورها الأساس في نتائج مراجعة النفس قبل مراجعة الآخرين.
ص.ب 10919 - الدمام 31443
|