Wednesday 30th June,200411598العددالاربعاء 13 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الجامعة وسوق العمل.. تنمية أم تخلف؟ الجامعة وسوق العمل.. تنمية أم تخلف؟
د. خالد الشريدة

.. أشرت في مقالة سابقة إلى ضرورة أن تكون الجامعة الجديدة مركزا علمياً فاعلا في تنمية المجتمع المحلي، وهذه الإشارة المهمة تعني بوضوح أن يكون التغيير الجديد فرصة حضارية لتذليل العقبات الإدارية والتعليمية والمالية التي كانت تمنع الجامعة من أداء رسالتها التنموية الهادفة في تنمية المجتمع المحلي من كل الجوانب الإنسانية والبيئية والصحية، بيد أن مشكلات المجتمع الاقتصادية وعلى رأسها مشكلة البطالة والتوظيف فرضت عليها سؤالا مهما وهو: ما مصير الذين يتخرجون من الشباب، ولا يجدون فرصا أفضل للعمل والتوظيف؟
.. ومثل هذا السؤال جعل بعض المسؤولين يتوجهون به إلى الجامعة بدلا من أن يتوجهوا به إلى الخطط والبرامج التنموية، ومن هنا نشأت فكرة الربط بين التعليم وسوق العمل، وأعتقد أن هذا الربط صحيح إذا قمنا بتطوير التعليم ولاسيما التعليم الجامعي في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية تطويرا سليما يناسب الأهداف العامة للسوق في الخطط والبرامج التنموية، بحيث يكون المتخرج لديه المهارات والقدرات للعمل في أي مجال من مجالات العمل وعلى الأخص التخرج من أقسام العلوم الاجتماعية والتربوية. إذ إن هذا المتخرج أخذ الجرعة التعليمية السليمة التي تجعله عاملا أو مهنياً سليماً في أي موقع من مواقع سوق العمل، ومعنى ذلك أننا يجب أن نطور العملية التعليمية في الجامعة الجديدة لكي تلائم شروط ومتطلبات سوق العمل، وهو الأمر الذي يجعل المتخرج يعمل في أي عمل من الأعمال التي تطرح أمامه لكي يختار أفضلها وأنسبها لظروفه ورغباته وطموحاته ومستوى تعليمه.
.. ولكن إذا ربطنا الجامعة بسوق العمل عندئذ نكون قد خرجنا من مجال التنمية إلى مجال التخلف بمحض إرادتنا إذ إن هناك فرقا كبيرا بين ربط الجامعة بسوق العمل، وربط العملية التعليمية بسوق العمل، فربط العملية التعليمية بسوق العمل يعني بوضوح مساهمة الجامعة في صنع المواطن الصالح للتكيف الإيجابي مع سوق العمل وشروطه ومتطلباته، فليست القضية فقط هي أن نوفر عملا، وإنما أيضا أن نوفر إنسانا صالحا للعمل أخلاقيا ومهنياً، وربط الجامعة بسوق العمل يعني بوضوح تخريب العملية التعليمية تخريبا مروعا ستكون له انعكاساته الخطيرة سياسيا واقتصاديا وأمنيا وتعليميا على النحو التالي:
أولا: من الناحية السياسية سنساهم بإرادتنا في عدم استقرار المجتمع نظرا لعدم إشباع الحاجات التعليمية لشريحة مهمة من المجتمع السعودي، وهي شريحة الشباب.
فالشباب الذي يرغب في مواصلة تعليمه الجامعي من حقه أن يجد التخصص الذي يريده ويحبه، فمن الثابت أن كثيرا من الشباب يرغب في دراسة علوم الاجتماع، بل إن بعض هؤلاء الشباب يعمل ويدرس في الوقت نفسه، ومن ثم فإن حرمانه من الدراسة واختيار التخصص الذي يريده ويحبه بدعوى أن سوق العمل يحتاج لهذا التخصص، فإنما يعني بكل صدق تسرعا في الحكم وسوء فهم الوظيفة الجامعة من ناحية الثقافة سوق العمل من الناحية الأخرى. أضف إلى ذلك أن الجامعة لا تفرض نفسها على الشباب، ولم يحدث في تاريخ الجامعة أنها قامت بالإعلان عن هذا التخصص، أو ذاك لترغيب الطلاب في الانتساب إليه، ولكن الطلاب هم الذين يأتون للالتحاق بهذا التخصص بعينه طوعا لا كرها، ومن ثم كان واجبا على أولي الأمر أن يساندوا هذا الاختيار الطوعي من الشباب للدراسة واختيار التخصصات التي يبقونها، وهذا من حقوقهم السياسية، وهذا يتطلب الإبقاء على كل التخصصات الدراسية، وترك الباب مفتوحا أمام اختيارات الشباب، ويتوقف مصير كل تخصص على رغبات الطلاب وإرادتهم وليس على قرارات معكوسة ومفاهيم خاطئة.وثانياً: من الناحية الاقتصادية سنساهم بإرادتنا في تضييق فرص العمل المهني لا في زيادتها وتوسعها، إذ إن الجامعة لا تقدم لسوق العمل شبابا جاهلا، وإنما تقدم شبابا مهنيين صالحين لإدارة العمل والإنتاج من كل المواقع والمجالات، ثم إن ترك مصير كل تخصص جامعي لسوق العمل يعني أننا لابد أن نغلق كل الجامعات، وليس تخصصا بعينه، ذلك أن سوق العمل الذي تتحكم فيه ثقافة جمع المال لا ثقافة العمل والإنتاج والتنمية لن يكون سوقا صالحا لمستقبل البلاد ونهضتها إذ إن مثل هذا السوق لا يحتاج إلى التعليم الجامعي الحضاري وإنما يحتاج إلى التعليم الشعبي أو التعليم الشخصي الذي كان سائدا في أمم العصور الوسطى، أما أمة الإسلام فإنها لابد أن تكون أمة التنمية لا أمة التخلف، وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (نعم المال الصالح للرجل الصالح).. والمال الصالح والرجل الصالح صنوان، ومن ثم فلا يمكن أن يكون سوق العمل السعودي سوقا صالحا أو سوقا للتنمية الشاملة، ما لم يكن الرجل الذي يعمل رجلا صالحا أخلاقيا ومهنيا، وهذه مهمة الجامعة، فالجامعة مهمتها أن تقوم بإعداد الرجل الصالح لسوق العمل، ومهمة الدولة ومؤسسات المجمع المدني هي أن تقوم بإعداد سوق العمل الصالح للرجل الصالح.
ثالثاً: من الناحية الأمنية للبلاد نحن في أشد الحاجة للتغيير الهادئ الذي يربط التعليم بأمن البلاد، وأقصد بأمن البلاد هنا الأمن النفسي والاجتماعي، ذلك أن تغيير التعليم إلى الأفضل يعني تدعيم التعليم من أجل نهضة سوق العمل، أما أن نلغي التعليم في بعض التخصصات بحجة عدم احتياج سوق العمل لها، فإن هذا يؤدي إلى عدم الشعور بالأمن النفسي والاجتماعي سواء للمعلم أو للمتعلم، بل إن الخلل أو الاضطراب في رؤية الدولة المستقبلية للتعليم الجامعي لا يؤثر فقط بالسلب على خطط وبرامج التنمية، بل إنه يفقد البعد الأمني في عملية التنمية برمتها.
رابعاً: من الناحية التعليمية سنساهم بإرادتنا في تخريب التعليم ما قبل الجامعي، إذ إن التعليم ما قبل الجامعي مرتبط بالتخصصات التي يرى بعض المسؤولين أنها غير مطلوبة في سوق العمل، ومعنى ذلك أن التعليم السعودي سيكون - في هذه الحالة - مهددا بالانهيار الشامل، ولهذا أرى أن المخرج من هذه الأزمة أن تسير في الخطوات التالية وهي:
الخطوة الأولى: الدراسة العملية الوافية لسوق العمل السعودي بهدف تزويد سوق العمل بالمهن والأعمال المطلوبة من ناحية، وبالشباب الصالحين لها من الناحية الأخرى.
الخطوة الثانية: الدراسة العلمية الوافية لاقتصاديات التعليم في المجتمع السعودي وأقصد باقتصاديات التعليم ما يلي:
أ- اقتصاديات التعليم من أجل التعليم والتوظيف في التخصص ذاته.
ب- اقتصاديات التعليم من أجل التعليم والتوظيف من أجل التوظيف ذاته.
ج- اقتصاديات التعليم من أجل التعليم ذاته.
والاتجاه لإلغاء أي تخصص يعني نسفا كليا لاقتصاديات التعليم بأبعادها الثلاثة.
الخطوة الثالثة: الدراسة العلمية الوافية لمسيرة التعليم الجامعي السعودي من أين؟ وإلى أين؟
ولا شك أن هذه الخطوات مهمة وحتمية قبل الإقدام على اتخاذ قرارات عشوائية لا تستند إلى مرجعيات علمية، وإذا أصر بعض المسؤولين على اتخاذ مثل هذه القرارات فعليهم أن يفكروا في الإجابة عن التساؤلات التالية:
1- ما مصير الطلاب الذين يرغبون في دراسة التخصصات التي سيتقرر إلغاؤها؟
2- ما مصير أعضاء هيئة التدريس التي أنفقت عليهم الدولة في بعثات دراسية خارجية وداخلية؟
3- ما مصير الأبنية التعليمية والتجهيزات العلمية والبحثية التي أنفقت عليها الدولة من ميزانيتها العامة؟
4- ما التخصصات التي يفرضها سوق العمل بدلا من التخصصات الأخرى غير المطلوبة؟
5- وهل سنضمن أن كل الطلاب سيقبلون على (تخصصات سوق العمل بصدر رحب)؟
6- وهل سيكون كل الطلاب مهندسين أو أطباء أو صيدليين؟
7- وهل سنضمن أن كل الطلاب سينجحون في التخصصات التي سيفرضها سوق العمل عليهم؟
* إذا فلابد من الدراسة العلمية في إطار الخطوات التي أشرت إليها، قبل أن نجني على العملية التعليمية وسوق العمل معا فنخرج من التنمية إلى التخلف.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved