تعين على الإسرائيليين تجرُّع ذات الكأس التي سقوها للفلسطينيين، ولم تمض بضع ساعات على عمليتهم في أحد أنفاق الضفة حيث كان يختبئ قادة ميدانيون فلسطينيون حتى انشقت الأرض تحت نفق في غزة، بفعل عملية فلسطينية، لتدفن العشرات من جنود شارون الذين كانوا يتباهون بقدرة جيش الاحتلال الوصول إلى الفلسطينيين أينما كانوا ولو تحت الأرض.
لقد اعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي وقياداته العسكرية أنهم استأصلوا هؤلاء الفلسطينيين الذين لا يتورعون عن خوض النيران من أجل الوصول إلى العسكريين الصهاينة. وبعد انقضاء شهور على جريمة شارون باغتيال زعيم حماس الشيخ أحمد ياسين وخلفه عبد العزيز الرنتيسي تضاعفت قناعة الإسرائيليين بأنهم أسكتوا وإلى الأبد هذه الأصوات التي توعدت بالانتقام لمقتل قادتها.
وفي معظم الأحيان تضيع من شارون وقياداته العسكرية معالم الصراع وينسون، من فرط غرورهم، أنهم يحاربون شعباً مظلوماً اغتُصِبت أرضه واستُبيحت ممتلكاته، ومع ذلك ضاعت من أفقه أيّ بادرة للحل.
ومن المهم دائما تذكير العصابة الصهيونية الحاكمة في إسرائيل أن ما يسمى توازن الرعب هو أمر موجود على الساحة، وأن إسرائيل مهما حازت من أسلحة أمريكية متفوقة إلا أن جنودها يفتقرون للروح القتالية المستعدة للتضحية والفداء، فهولاء المرتزقة الذين أتى بهم قادة إسرائيل من وراء البحار ليخدموا في جيش وفي بلد لم يشبوا على حبه، لا يجدون الكثير من الأسباب القوية للدفاع عن هكذا وطن، والأحرى أنهم يكتشفون يوماً بعد الآخر أنهم إنما يحمون أو يدافعون عن بعض من شذاذ الآفاق والمجرمين ومغتصبي الأرض الذين ألقت بهم السفن في هذه السواحل دون ارتباط وطني أو إحساس صادق بالانتماء للأرض.
لقد اعتاد الإسرائيليون الرهان على أوراق خاسرة، ومع ذلك فهم يعيدون أخطاءهم بدلاً من الاستفادة منها، وأكبر أخطائهم الركون إلى قوة السلاح وحدها في محاولة لإجبار الفلسطينيين قبول الحلول المبتسرة الناقصة، ومع كل جولة جديدة من القمع والعنف يفشل الإسرائيليون في تركيع الفلسطينيين، لكنهم لا يعترفون بهذا الفشل بل يلجأون للمكابرة وافتعال الأزمات والالتفاف على الأسس العادلة للتسوية، وهم يجدون في كل ما يذهبون إليه دعماً أمريكيا مفتوحاً يمكن تطبيقه على كل مواقفهم مهما كانت جائرة وغير عادلة، وهي دائماً كذلك، وهذه هي عين المعضلة وأس البلاء.
|