قد لا يمضي يوم في العمل دون أن تطرق باب مكتبي فتاة أو سيدة سعودية بحاجة إلى عمل أو وظيفة، ولأنني لا أمتلك القدرة على التوظيف من قريب أو
بعيد، فإنني لا أنال سوى حسرات يومية ونافذة أطل منها على مأساة اجتماعية تتبلور أو هي في طريقها للاكتمال.
حينما أطل في أوراق الملفات المقدمة يتكشف لي بين الدموع والكلمات الخافتة ذل الحاجة وحرقة السؤال، أب مريض، زوج متوفى، عائلة متضخمة، أطفال يشرقون في وجه الحياة لكن الحياة ترفض أن تنظر إلى وجوههم الفتية، قصص تشبه تلك التي نراها في الدراما الفاقعة، قصص الشوارع الخلفية والأحياء التي تقع في أطراف المدن، وعالم كبير بزغ وتضخم فجأة بينما كنا مابرحنا سادرين في أحلام الطفرة.
يقال بأن الرجل السعودي ينفق ثلاثة أضعاف ما ينفقه الرجل في بقية أنحاء العالم، هذا لأنه وحده يقوم بالأعباء المادية لعائلته دون دخل مرادف أو مؤازر، لاسيما وأن الأحوال الاقتصادية لم تعد بالرخاء والليونة السابقين.
ومن المنطلقات السابقة تحديداً جاءت قرارات مجلس الوزراء عن عمل المرأة كأنها صفحة مشرقة مضيئة في تاريخ يعيد التشكل بصورة أكثر عدلاً وواقعية، فالدولة تنفق ما يوازي (55) ملياراً من الميزانية على التعليم، هذا الرقم الكبير نصفه يذهب إلى تعليم البنات، فإذا لم توظف هذه الأموال الهائلة والسنين الطويلة من التعب والجهد لاستغلال المخرجات التعليمية للمرأة نصبح كالذي صب ماءه العذب في رمالٍ صحراوية.
ستقف الآن جميع نساء الوطن لتحية هذا القرار الذي التفت إلى المرأة أخيراً وآمن بها كفرد منتج ومبدع في المشروع الوطني الكبير.
ستقف الأرملة التي عفت وجهها عن السؤال والحاجة، ستقف زوجة الرجل المريض الذي يدور في أفلاكها مجموعة أفواه جائعة إلى طعام، ستقف له المطلقة التي تتقاذفها بيوت الإخوة والأقارب، ستقف فيه الفتاة السعودية الذكية الطموحة التي اعتقلت أوراقها وطموحاتها بداخل غياهب النسيان، ستقف له الزوجة التي تود أن تمنح عائلتها مستوى اقتصادياً أكثر راحة، وتعضد رفيق العمر في مشقة الرحلة، سيقف له جميع شقائق الرجال اللواتي يؤمن بأن اللقمة الحلال هي أولى دروب الشرف والعفة والمحافظة على الجوهرة المصونة.
|