تستطيع قوى عديدة استغلال الوضع العراقي إلى الدرجة التي تحقق كل مطامعها، فالحالة العراقية تتسم بالكثير من الغموض من جهة التفجيرات التي يروح ضحيتها العراقيون في المقام الأول, ورجال الشرطة، لكن من تراه يسعى إلى قتل المدنيين العراقيين بهذه الطريقة البشعة في كل حين وآخر، وفي أحيان لايتعدى الفرق بين تفجير وآخر دقائق معدودة مثلما حدث في أحد أيام الأسبوع الماضي.
من الواضح أننا أمام من يسعى إلى الإبقاء على حالة التوتر في العراق إلى أطول مدة ممكنة، فاستمرار هذه الأوضاع والتفجيرات يجعل الساحة العراقية بكاملها نهبا للشكوك والاتهامات غير المستندة إلى أدلة واضحة، وهو ما يدفع البعض الى محاولة الانتقام ضد عدو غير مرئي ولا تتوافر عناصر تدمغه بهذه الفعلة أو تلك. الأمر الذي يؤدي الى استفحال الحالة الغامضة.. إنها حالة من الفوضى العارمة والغموض، وهذه الحالة مطلوبة في حد ذاتها، فهي تشل العراق كدولة يتوجب عليها ان تتجه لمهام البناء والنماء على قاعدة من الاستقرار والأمن، وطالما غاب الأمن فإن كل الاستحقاقات تغيب معه، ويصبح هم العراقيين البقاء أسرى لهواجس ومخاوف التفجيرات التي لا يدري أحد من يكون ضحيتها القادم وأين سيكون ذلك.
بالطبع نستطيع تبين ملامح إسرائيلية فيما يحدث، فهناك تقارير مؤكدة تشير الى ان عناصر الموساد تجوب البلاد من أقصاها الى أقصاها زارعة الفتن، فهي تستفيد من الغطاء الأمريكي العسكري المهيمن، ولن تجد أفضل من المعطيات الحالية لتغذية الفوضى العراقية، ولطالما استهدفت اسرائيل العراق فهو في صلب تصورها الاستراتيجي لضرب الكيان العربي وتجريده من مقومات بقائه وازدهاره.
ولا يمكن، بالطبع، تجاهل كون العراق أصبح ساحة لمحترفي القتل ولتصفية الحسابات بين مختلف القوى بما في ذلك الاقليمية والدولية، وهناك بصفة خاصة من يبني إطارا فكريا يبرر السحل والذبح بكل تلك الفظاعة التي بدا وكأنها تحاول فرض نفسها كأسلوب جديد في المواجهة، لكن الأمر غير مقبول ومستهجن ومرفوض، باعتبار أن البعض أجاز لنفسه حمل القانون بيديه وتنفيذه متى شاء دون تفويض جماهيري أو شرعي.
ومع ذلك فإن أوضاعا مثل هذه باتت بمثابة الحقائق التي لا يمكن تجاهلها على الساحة العراقية، على الرغم انه من الصعب بلع أو ازدراد هذه الحقائق المُرَّة.
وسيفيد كثيراً ان يتنبه العراقيون الى ان القانون ينبغي ان يحترم، وان تعدد الجهات التي تحاول الهيمنة على الساحة العراقية بالتخويف من التفجيرات والسحل تفتقر الى المسؤولية، لأنها تتبع وسائل غير مسؤولة في تعاطيها مع الوقائع وفي محاولتها فرض أسلوب العصابات في مجتمع كامل الأهلية يعتز بقيمه ومبادئه العربية والاسلامية كما يعتز بسمته الخاصة وكينونته، وان مجتمعا مثل هذا لا يرضى بالهيمنة عليه من قبل عصابات تعتمد التخويف كمحور أساسي في تعاملها..
|