كنت أتابع باهتمام شديد عبر وسائل الإعلام المحلية وعبر الإنترنت، بعض الشذرات والتفاصيل عن سيرة الإرهابي (المقرن) والذي كان يعتقد بأنه قائد للتنظيم الإرهابي، كنت أحاول أن أتقصى في حياته جميع التفاصيل الذي حولته إلى قنبلة موقوتة محملة بكم وافر من الحقد والسخط وشهوة سفك الدماء.. وهناك أمران بارزان لفتا نظري: الأول هو كبر سنه النسبي عن بقية أفراد مجموعته.
الثاني هو صغر سنه حينما التحق في ركاب هذا الفكر الظلامي الذي حوله إلى هذا الشكل المتوحش الفاقد لخصائصه البشرية.
وبين هاتين المسافتين ستة عشر عاماً أمضاها جميعها في حياة تفتقد أي تطويرأو أي تقدم على المستوى الإنساني أي تجاوز لسمات المراهق المندفعة المارقة لابن السابعة عشرة تلك السمات الخالية من الحكمة وبعد النظر، وقبل هذا لم يتمكن من عتق روحه... لم يتمكن من تحريرها من جميع السلاسل والقيود التي كبل بها (شيوخه) عقله، هل كان يفتقد الذكاء الكافي ليستطيع فك قيده من هذا الأسر الدموي؟؟ هل كان نصوصياً إلى درجة متقدمة بحيث لم يؤثر فيه توالي الليل والنهار وتعدد نوافذ الحياة وتجاربها؟؟.. وهذا تحديداً ما أعتقده في نموذج مثل المقرن، هو يفتقد نوافذ أخرى يطل بها على الحياة، هو أسير غرفة معتمة سوداء محتشدة بالتعاليم والوصايا الدموية، ولم يستطع التوصل إلى كوة النور بداخل الظلمة المهلكة، فخرج إلى المجتمع سفاحاً نصف بشري يلتهم الأخضر واليابس، تنقل المقرن في العديد من البلدان ولكن (أم على قلوب أقفالها) كان هذا التنقل ليحتك بنفس الجماعات ويتعرض لنفس الشيوخ ويوغل في ضلاله وغيِّه، ووهمه ببطولة وحلم منبتة الصلة بالواقع وموجودة في تلك اللغة الإنشائية الفضفاضة الحالمة بالأمجاد القديمة.
لم يكن هناك نوافذ يتسلل منها الضوء، لم يكن هناك نوافذ تتسلل منها آراء أخرى.... شروحات مختلفة، أو آفاق أكثر اتساعاً.. كان (المقرن) في حالة عبودية مطلقة... عبودية عجزت أن تكتشف كوة الضوء في أعماقه ليتحرر ويعود إلى الحياة.
|