الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله - نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
فالمراد بالفتنة الابتلاء والاختبار. والمخرج منها هو السبب الذي يخلص الله به العباد من شرها. ووقوع الفتن لا بد منه.. قال تعالى: (الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3}) العنكبوت (1-3).وفي وقوع الفتن حكم عظيمة فالمؤمن يزداد إيمانا وثباتا والمنافق ينكشف أمره ونفاقه ويتبين كذبه. وفي الفتن يتنبه المؤمنون فيعلمون أن ما أصابهم بسبب ذنوبهم ومعاصيهم فيتوبون إلى ربهم ويصححون أوضاعهم كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30) سورة الشورى. وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (41) سورة الروم. وإنّ ما نعيشه الآن من تسلُّط الأعداء وتسميم أفكار بعض شبابنا ضدنا إنما هو بعض من تلك الفتن التي أجراها الله علينا بسبب ذنوبنا ومخالفاتنا. فعلينا أن نحاسب أنفسنا ونتوب إلى ربنا ليخلصنا منها - وعلينا أن نعمل الأسباب التي تخرجنا منها. وأهم هذه الأسباب:
أولاً: التوبة إلى الله مما حصل منا أو من بعضنا من المخالفات لديننا وعقيدتنا فالله تعالى يقول: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (25) سورة الأنفال. وفي وقعة أحد لما حصلت مخالفة من بعض الصحابة سلَّط الله الكفار على المسلمين وحصلت النكبة على المسلمين بسبب تلك المخالفة - قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } (152) سورة آل عمران. وهذه سنّة الله في خلقه. فهل نحن خير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعلينا ان نحاسب أنفسنا ونتوب إلى ربنا ليكشف ما بنا.
ثانياً: علينا أن نتمسك بكتاب ربنا وسنّة نبينا علماً وعملاً واعتقادا. قال صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم. قيل: ما المخرج منها يا رسول الله. قال: كتاب الله) الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا. فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي. تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة) أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون اختلاف وأنه عند حدوثه لا بد من حسمه بالرجوع إلى الكتاب والسنّة ويؤخذ من الأقوال والآراء بما قام عليه الدليل. كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء. ولا يجوز البقاء على الاختلاف كما ينادي به الآن كثير من المنافقين والذين في قلوبهم مرض فالله تعالى يقول: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (46) سورة الأنفال. وكما أخبر صلى الله عليه وسلم أن ما خالف سنّته وسنّة خلفائه أنه بدعة. وكل بدعة ضلالة - لا كما يقوله أهل الضلال إن هناك بدعاً حسنة. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (وسنّة الخلفاء الراشدين) إرشاد إلى اتباع منهج السلف الصالح كما قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} (100) سورة التوبة. لا كما ينادي به الآن أهل الضلال من المطالبة بقطع الصلة بمنهج السلف واتباع منهج الخلف. بل منهج خلف الخلف من أهل الجهل والأهواء من المعاصرين ومن يسمونهم بالمفكرين والعصرانيين. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنّتي) والإمام مالك رحمه الله يقول: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) وهذا يستدعي منا العناية بالتعليم وتقويم مناهجه على الكتاب والسنّة واتباع منهج السلف وذلك بدراسة القرآن وتفسيره والحديث وعلومه وشروحه والفقه وأصوله والنحو واللغة العربية، وفروعها. وهذا - ولله الحمد - متمثل في مناهجنا الدراسية التي رسمها لنا علماؤنا وسارت عليها دولتنا منذ أسسها الملك عبد العزيز - رحمه الله - وخرجت أجيالاً من العلماء قاموا بالمهمات في مجال القضاء والفتوى والتدريس والدعوة والإرشاد وتولي المسئوليات المهمة. فعلينا أن نتمسك بهذه المناهج القيمة ونواصل السير عليها لتوالي عطاءها وخيرها. ولا نلتفت لمن ينادي بتغييرها أو إضعافها. لأن هذا أضعاف أو إزالة للأساس الذي قامت عليه الدولة. وهذا ما يريده المغرضون - كفانا الله شرهم. وردّ كيدهم في نحورهم. إن هذه المناهج تعلم الوسطية والاعتدال وتحارب الغلو والتطرف. لأنها مبنية على الكتاب والسنّة ومنهج السلف الذي يحارب منهج الخوارج والبغاة والغلاة. ويحارب منهج المنحلين وأصحاب الأهواء والشهوات الذين قال الله فيهم: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} (27) سورة النساء. ويحارب منهج أهل الأهواء والبدع والانحرافات الذين قال الله فيهم: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (71) سورة المؤمنون. علينا أن نحذر هؤلاء وهؤلاء.
ثالثاً: علينا أن نحذر من كيد أعدائنا من الكفار والمنافقين الذين يريدون صرفنا عن ديننا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (150) سورة آل عمران. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (100) سورة آل عمران. وقال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (120) سورة البقرة.
رابعاً: مما يخرجنا من الفتن لزوم جماعة المسلمين والسمع والطاعة لولاة أمور المسلمين. كما جاء في صحيح البخاري لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ظهور الفتن ووجود دعاة يدعون إلى جهنم من أطاعهم قذفه فيها ووصفهم بأنهم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قال له حذيفة: فما تأمرني إن أدركت ذلك. قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. وفي الحديث الآخر: (من شق عصا الطاعة. وفارق الجماعة ومات على ذلك مات ميتة جاهلية) وفي الحديث الآخر: (من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) وفي هذا تحذير من الشذوذ واتباع الأفكار الهدامة والتحذير من دعاة الضلال - وما أكثرهم اليوم وقانا الله شرهم.
خامساً: ومما يخرج من الفتن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على أداء الفرائض واجتناب المحارم قال الله تعالى:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (40-41) سورة الحج. وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55) سورة النور. وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام. والظلم المراد به هنا الشرك وفي الآية التي ذكرنا قبلها: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (55) سورة النور. فهذا فيه أن التوحيد والسلامة من الشرك سبب لتوفر الأمن ففيه الحث على التمسك بالعقيدة والحذر مما يخالفها. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وهدى ضال المسلمين. ووفق ولاة المسلمين لما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين إن ربنا سبحانه بيّن الأسباب التي تسبب وقوع الفتن والأسباب التي تنجي منها.
سادساً: يجب علينا المحافظة على أولادنا وتحصينهم من الأفكار الهدامة التي يروِّجها أعداء الأمة الإسلامية والمدعومة من أمم الكفر ويستخدمون لترويجها والدعوة إليها أقواماً من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ويتسللون بين صفوفنا ويتخطفون أبناءنا ويسحبونهم من مدارسنا ومساجدنا ودوائرنا بل ومن بيوتنا الى خلواتهم المشبوهة ورحلاتهم المسمومة ويلقنونهم الأفكار الهدامة حتى يتنكروا لدينهم ومجتمعهم وولاة أمورهم ويحملوا السلاح في وجوهنا ويسفكوا الدماء المعصومة ويتلفوا الممتلكات المحترمة ويهلكوا الحرث والنسل ويسعوا في الأرض بالإفساد. أن على الآباء وعلى المدرسين وعلى خطباء المساجد وعلى الدعاة والمرشدين وعلى العلماء عموما الوقوف أمام هذا التيار الخبيث والتحذير منه ورد شبهات أهله والمروجين له. فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. إن ما حصل هو نتيجة عن إهمالنا وغفلتنا وسكوتنا بل والتخاذل بيننا واتهام من يحذر من تلك الأفكار بأنه لا يريد الخير وانه حاسد الى آخر ما سمعنا من تلك الاتهامات حتى تمادى الشر وبلغ السيل الزبى ولا حول ولا قوة الا بالله.
سابعاً: على شباب المسلمين - وفقهم الله لكل خير، وحماهم من كل شر أن يحذروا من دعاة السوء وأصحاب الأفكار الهدامة وان يتصلوا بعلماء المسلمين من أهل السنّة والجماعة ويتلقوا عنهم العلم النافع ويسألوهم عما أشكل عليهم قال الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل. واهل الذكر هم العلماء الربانيون. وعلى من وقع من شباب المسلمين في شيء من تلك الأخطاء والأفكار الضالة المنحرفة ان يرجع الى الصواب. فالرجوع الى الحق فضيلة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. عليهم ان ينضموا إلى جماعة المسلمين. ( فإنّ يد الله على الجماعة. ومن شذ شذ في النار) ولا يكونوا عوناً للأعداء على تدمير بلادهم والاعتداء على إخوانهم وحرماتهم. فإنّ هذا من الإفساد في الأرض {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (64) سورة المائدة. {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (205) سورة البقرة. وليس هذا العمل الاجرامي الذي تقوم به بعض الفئات الضالة من الجهاد في سبيل الله كما خيِّل إليهم ولبس عليهم أعداء الله. وإنما هو جهاد في سبيل الشيطان. {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} (119) سورة النساء. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتِّباعه. وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنباه. ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل. اللهم وفِّق ولاة أمورنا لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين. واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين. يارب العالمين. {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (5-4) سورة الممتحنة. {عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (85-86) سورة يونس.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
|