* القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد سيد:
حذرت دراسة أمنية من كارثة اقتصادية تكاد تهدد اقتصاديات العالم وأسواق البورصة خاصة مع تطبيق اتفاقيات التجارة العالمية والاتجاه إلى تحرير التجارة من كافة القوانين التي تقيدها.
وذكرت الدراسة الصادرة عن مركز بحوث الشرطة بوزارة الداخلية المصرية أن هذه الكارثة التى تهدد الاقتصاد العالمي ناتجة عن تفاقم عملية غسل الأموال القذرة التى بلغت حوالي بليون دولار سنويا بما يشكل حوالي5 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
والدراسة التي أعدها عميد عبد الوهاب الغنيمي بمركز بحوث الشرطة أكدت خطورة هذه المشكلة عالميا، وأنها تمثل تحديا لكل الدول يستوجب مواجهته.
وقدرت الأمم المتحدة وقوة العمل المالي لمكافحة غسيل الأموال tfat في تقرير لها أن حجم الأموال التي يتم غسلها سنويا يتراوح بين 300 إلى 500 مليون دولار أمريكي على مستوى الدول الصناعية، وهو رقم يقترب من التقديرات الأمريكية في هذا المجال.
تجارة المخدرات وتتمثل أهم مصادر الأموال القذرة في الأموال المتخصصة من تجارة المخدرات، وتقدر إحصائيات صندوق النقد الدولي أن حجم التجارة في المواد المخدرة بلغت500 مليار دولار عام1993 .
وإذا كانت الدراسات تشير إلى أن حوالي50 إلى70 %من هذه الأموال يتم غسلها، فهذا يعني أن هناك احتمالاً لغسل من250 إلى390 مليار دولار سنويا في المتوسط.
وتؤكد الدراسة أن معظم دول العالم تأكدت أن الاتجار غير المشروع للمواد المخدرة يرد أرباحا وثروات طائلة يمكن المنظمات الإجرامية من إفساد هياكل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالدول، لذا تحرص الدول على حرمان الأشخاص المشتغلين بالاتجار غير المشروع للمواد المخدرة من أموالهم المتحصلة من ذلك أو إجراء عمليات غسل لها.
مشيرة الى أن عملية غسل الأموال ظاهرة إجرامية مستحدثة تؤرق دول العالم لدورها السلبي في عرقلة إجراءات تعقب وضبط ومصادرة الأموال ذات المصدر الإجرامي.
وتعد من أخطر المشكلات التي تواجه الدول وأنظمتها الاقتصادية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في ضوء ازدياد معدلها السنوي مع ازدياد حركة النشاط الاقتصادي والانفتاح المالي والاقتصادي عالميا، والاتجاه إلى تحرير التجارة الداخلية والخارجية.
وترتبط عملية غسل الأموال بالعديد من الجرائم مثل جرائم الإرهاب وتزييف العملة وتهريب الآثار والتحف والدعارة وتجارة الرقيق والفساد الوظيفى وعمليات القروض، ورغم ذلك يظل للارتباط بين عملية غسل الأموال وتجارة الأموال سماتها الخاصة بالنظر إلى حجم عمليات غسل الأموال المتحصلة من الاتجار بالمخدرات.
وتستهدف عملية غسل الأموال إخفاء الرابطة بين الأموال غير المشروعة ومصدرها وتوظيف الأموال غير المشروعة في أنشطة مشروعة، بينما تتسم عملية غسل الأموال بالعديد من السمات أهمها سرعة الانتشار الجغرافي فبعد أن ظلت متركزة في عدد محدود من الدول حيث تنتشر تجارة المخدرات والفساد بل أيضا في أيد محدودة من الأفراد المنحرفين داخل الدولة الواحدة بدأت في الانتشار لتشمل عددا أكبر من الدول والأفراد.
كما لم تعد عمليات غسل الأموال أحادية الجانب في تحركاتها بل أصبحت في اتجاهين بمعنى أن عمليات غسل الأموال التى بدأت محلية أصبحت تكتسب أبعاداً دولية بما يضفي على المشكلة تعقيدا وصعوبات خاصة عند محاولة تعقبها وكشفها.
وتنوه الدراسة إلى أن عمليات غسل الأموال تشهد تطورا كبيرا في تكتيكها بما يساعد عليه التزايد الكبير في حجم الأموال والمتحصلات غير المشروعة وكذلك التطور في الوسائل التكنولوجية التي تستخدم في نقل الأموال وتحويلها عبر الحدود واستخدام أدوات مالية وتجارية متعددة وفي بلدان مختلفة بقصد إخفاء المصدر الأصلي للأموال غير المشروعة مستغلة في ذلك الثغرات الموجودة في بعض القوانين واللوائح الوطنية التي تنظم الأنشطة المالية والتجارية مستفيدة من العراقيل والتعقيدات التي تعترض التعاون بين السلطات القضائية والشرطية بين الدول المختلفة لعل من أخطر صور التطور دخول الأموال المغسولة إلى عصب الاقتصاد من خلال الانغماس في البورصة وشراء الأسهم والسندات التي تنتقل بين أيد كثيرة وربما من جنسيات مختلفة، ومن ثم يتعذر كشفها ويختلط المال المشروع بغير المشروع.
وهو ما يؤثر على الثقة في السوق المالية مع ما يترتب على ذلك من آثار غير محمودة وممتدة على الاقتصاد.
زيادة عمليات غسيل الأموال ويزداد الاتجاه إلى الغسل الدولي للأموال مع ازدياد الاتجاه لتحرير التجارة العالمية إذ في ظل هذا التحرير مع الميل للتحرير الداخلي يميل محترفو غسل الأموال إلى نقلها عبر الحدود لتكون أكثر أمانا في دول أخرى غير تلك التي مورست على أرضها الأعمال الإجرامية التي تحصلت عنها الأموال، لذا لاغرابة فيما أظهرته بعض الجهات من تخوف انتشار جرائم غسل الأموال مع توحيد السوق الأوروبية المشتركة وهو ذات التخوف الذى أبداه البعض في أمريكا عند إقامة النافتا ( n a f t a ).
وتشير الإحصائيات إلى أن هناك14700 بنك سويسري يقوم نشاطها بتسهيل عمليات غسل الأموال وتمويل نشاط تجارة السلاح والاحتفاظ بثروات السياسيين والمسؤوليين المهربة، ويعمل بها40 % من سكان الدولة التي يوجد فيها مكاتب خاصة لاسترداد الأموال المغسولة مقابل25 % من القيمة.
وتوجد علاقة بين غسل الأموال والجريمة بصفة عامة، فالأنشطة الإجرامية تمثل المصدر الأساسي للأموال المطلوب غسلها، وعلى جانب آخر كلما ازداد غسل الأموال فإنه يوفر دافعا قويا لاستمرار العمليات الإجرامية، ويوفر المال اللازم لتمويل الأنشطة غير المشروعة، ومتى تحقق هذان العاملان توغلت الجريمة والفساد في المجتمع، وإذا كانت عمليات غسل الأموال تغذي الجريمة من خلال التغذية المرتدة، فماذ يعني انتشار تجارة المخدرات فى المجتمع.
وتساهم عمليات غسل الأموال في شيوع ظاهرة تحدي القانون وروح التمرد لدى الشباب والاستهانة بالسلطة الشرعية وعدم الرغبة في التمسك بالأنظمة والقوانين المعمول بها نتيجة عدم التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
وتؤكد الدراسة إلى أن عمليات غسل الأموال لاتتم بواسطة مرتكبي الأعمال الإجرامية أو المتهربين من الالتزامات القانونية بل يقوم بها خبراء على علم بقواعد الرقابة والإشراف في الدول المختلفة، وما يوجد بها من ثغرات يمكن النفاذ منها، كذلك فإن هؤلاء يكونون على علم بغرض التوظيف والأصول التي توفر الأمن والمأوى لهذه الأموال وبرزت إلى الوجود طبقة إجرامية جديدة ومتميزة بعيدة إلى حد كبير عن الصورة النمطية للمجرمين تضم محاسبين ومصرفيين ومحامين وغيرهم من المهنيين الذين يحترفون مهنة غسل الأموال وهم وإن كانوا عادة غير متورطين فى الأنشطة الإجرامية الأساسية كجرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات إلا أنهم على استعداد دائم لتقديم خدماتهم وخبراتهم المالية لتجار المخدرات ليس فقط فى مجال إخفاء ونقل وتحويل العائدات الإجرامية، وإنما أيضا في مجال إدارة الاستثمارات اللاحقة في العقارات والصفقات المالية والمشروعات التجارية وغيرها.
|