حينما اشتد الضغط والعنف من قبل كفار مكة على المسلمين، والمسلمون آنذاك قلة قليلة بعضهم يؤمن سراً خوفاً على نفسه وأهله، ولكن الأمر اتضح لكفار قريش أمثال الوليد بن المغيرة وأبي جهل وغيرهما فأخذوا يحرضون أعوانهم ويصدون عن دين الله. وتفننوا في أنواع التعذيب، لكنه مع ضراوته وعنفه لم يفت في عضد المسلمين أبداً بل ازدادوا معه إيماناً وصبراً ولنضرب على ذلك مثلا حينما أسلم بلال بن رباح وضعوه في واضحة النهار في يوم شديد الحرارة مستلقياً على ظهره ووضعوا على صدره صخرة عظيمة ويقولون له اكفر بإله محمد وعد إلى دين آبائك وأجدادك وهم يضربونه بالسياط كان يرد كلمة هي أشد عليهم من وقع الحسام المهند كان يقول: (أحد.. أحد) ويستمر التعذيب ويشتد ولكن إصرار بلال وإيمانه مع ذلك يزداد أكثر وأكثر ويقول: (والله لو أعلم بكلمة هي أغيظ لهم منها لقلتها) قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ}، أخذت يد الكفر تعلو وتزداد شراسة وهي تحذر من ان من يؤمن بإله محمد سيكون عبرة لغيره مهما كانت مكانته حينئذ لا بد للمسلمين من الفرار بدينهم وعقيدتهم تاركين الأهل والوطن والمال في سبيل مرضاة ربهم ولكن إلى أين؟!
ويأمرهم الرسول بالهجرة إلى الحبشة ويمتثل ذلك النفر القليل في الهجرة إلى الحبشة يمتثلون لأمر نبيهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور متحملين الصعاب، ولننظر إلى الخارطة كم بين مكة والحبشة من صحارى ووهاد وجبال وبحور والطريق محفوفة بالمخاطر من قطاع الطرق وغيرهم وقلة المؤونة وهم يمشون على أقدامهم ولكن كانت عين الله تحرسهم ويكلأهم برعايته. قال تعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.
لماذا لم يأمرهم الرسول بالهجرة إلى فارس أو إلى بلاد الروم؟ ان ذلك كان ممكناً وأسهل في نفس الوقت، ولكن نظرة رسول الله كانت أبعد وأقوى من تصورنا.. إنه ينظر إلى المستقبل أيام غزو كسرى وقيصر، لم يكن يأمرهم بالهجرة إلى هؤلاء ثم يغزوهم في المستقبل لم يكن ليقابل الإحسان بالإساءة لأن دين الإسلام يقول لهم وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان وحذرا من ان يقول العالم أو الحاقدون على الإسلام غدر المسلمون بمن أجارهم وهم في حالة الضعف لم يكن يريد محمد بن عبدالله عليه السلام يريد ذلك ثم ليعلن منذ ذلك التاريخ ان الناس سواسية لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى كلكم لآدم وآدم من تراب. ان الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى القلوب التي في الصدور، ويسلم بلال وصهيب وسلمان الفارسي ويكونون من أقرب الناس إلى رسول الله لأنها وجدت رابطة العقيدة الإسلامية رابطة الدين، لا رابطة القومية.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (سلمان منا آل البيت) وهو فارسي ويقول تعالى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قلت هذا لنفهم ما ينفذه الأعداء والمأجورون سبيل القضاء على العقيدة فيجب ان يكون عندما حصانة فكرية ونثقف عقولنا ونرد على حججهم وأباطيلهم.
أذكر في أيام الرئيس الأمريكي السابق جونسون أنه جعل وزيراً زنجياً فضجت الصحف وأبواق الدعاية وعدوا ذلك مكرمة من مكرمات جونسون وفتح صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية في سبيل القضاء على العنصرية ودمج البيض مع السود، ما علموا ان الإسلام قد سبقهم من قبل ألف وثلاثمائة سنة !!
|