Saturday 26th June,200411594العددالسبت 8 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

وزير التربية وأبعاد الرؤية وزير التربية وأبعاد الرؤية
د. موسى بن عيسى العويس - الإدارة العامة للتربية والتعليم في منطقة الرياض

راهن معالي الوزير، وخسر الرهان، رغم العراك والجدل، ورغم قوة العزيمة والمثابرة، وتحمل المجتمع بأسره، بل الوطن تبعات الخسارة، أما متى كان ذلك الرهان، وبأي شيء كان، وكيف خسر، ولماذا خسر، فأترك الأحداث تتحدث وقد تحدثت، ووقائع الزمن لتجيب، وقد أجابت.
يوم أن تسلم معالي الوزير حقائب الوزارة قبل تسع سنوات راهن صبيحتها أن تكون المؤسسات التعليمية والتربوية منارة إشعاع حضاري، وملتقى ثقافيا واجتماعيا للأحياء صباحا ومساء، هذا ما صرح به معاليه، فتلقت الأوساط الاجتماعية ذلك دون أن تحيط بأبعاد رؤيته للمستقبل ونظرته له، وهنا يكون التمايز والاختلاف والتباين في التفكير بين البشر، وهنا تتفاوت الأفهام لوقائع تحليل المستقبل المبني على مؤشرات الواقع وإرهاصاته، ولكن كما قال الشاعر:


وكم من عائب قولاً صحيحًا
وآفته من الرأي السقيم

أقول هذا بعد أن تمخضت بعض الرؤى عن ندوات ولقاءات تناولت الأدوار الأمنية للمؤسسات الاجتماعية، والأدوار الاجتماعية للمؤسسات الأمنية، فكان من توصياتها ونتائجها ما ينحي باللوم على المؤسسات التعليمية والتربوية، وضعف أدوارها في ملء فراغ الشباب، وإشباع رغباتهم الجسدية والعقلية والفكرية واستغلال أوقاتهم الصباحية والمسائية في المنشآت التعليمية، المشيدة شكلا، المعطلة مضمونا، وكان من نتيجة هذا الغياب للأدوار الوقائية التي يمكن أن تحتضنها محاضن التوجيه والإرشاد، ومصانع العقول والأفكار.
أقول: كان من نتيجة ذلك ما عانى منه المجتمع والوطن بأسره في الأشهر الفائتة العصيبة من حوادث إرهابية عكرت صفو الحياة، نعم لاسمت أسماعنا تلك النتائج، وربما شعر الواحد منا نحن منسوبي التربية والتعليم بالخجل، حين تتعالى أصوات ومقترحات نحن أجدر بتبنيها والتصدي لها، بوضع الخطط والأهداف.
لا تأخذوا استهلال المقال على إطلاقه دون نظر الى عرضه ونتائجه لقد خسر - معالي الوزير - الرهان في تطبيق ما نادى به، ولكنه في واقع الأمر لم يخسر أبعاد الرؤية التي تنطلق من سلامة تفكيره للواقع، وصحة تصوره للمستقبل كقائد للعمل التعليمي.
أما لماذا لم تجد رؤاه النافذة حينذاك سبيلا للتطبيق، وما الأسباب التي حالت دون ذلك، فله أن يتأملها ويتدبرها عبر مراجعاته المستمرة والدائمة لمسيرة جهازه العملاق، ويطرحها على قيادات وزارته وإدارته عبر لقاءاته الكثيرة، ولن يعدم بإذن الله من رجال يسددون رأيه، وينتصرون لما نادى به ودعا إليه، حتى وإن غفوا عنها بعض الأشهر أو السنوات، وإن كنت أخشى أن يقفز إلى ذاكرة معالي الوزير حينئذ قول الشاعر (عمرو بن معدي كرب):


ولو أن قومي انطقتني رماحهم
نطقت ولكن الرماح أجرت

للقارئ ان يستقرئ أسبابا كثيرة للموقف، وعوامل عديدة لكنها ليست بالضرورة أن تكون صائبة في كل الأحوال، فالكثير من الأهداف والرؤى تفتقد الحماسة، والمثابرة، والمتابعة، والإصرار ممن يتبناها أصلا وبعضها يفتقد إلى فريق يقودها، ويعي أبعادها ومراميها، وينشط لمقاصدها ومغازيها، وربما تكاثرت الرؤى والأهداف والمناشط، وتداخلت فوقف بعضها دون بعض، وحالت الثانية دون الأولى، وحظي هدف دون آخر، ولعلي لأكون مخطئا إذا قلت هذا ما حدث بالفعل لتلك الرؤية السابقة، وربما كان شأن معاليه مع فكرته وطرحه شأن (المتنبي) حين قال:


ويطلب عند الناس ما عند نفسه
وذلك ما لا تدعيه الضراغم

في لقاء مع معالي الوزير في منطقة القصيم تميز بالوضوح والشفافية حاول المجتمعون من رؤساء الإشراف تجديد هذه الفكرة الرائدة التي سبق بها معاليه منذ سنوات، وتناولوا فكرة العودة إلى الاندية المسائية الموؤدة، لتكون متنفسا للأحياء شبابا وشيبا وشابات، ومصدرا من مصادر الترويح، لكن بآليات وأساليب تنفض عن الأذهان، وتبعد المتلقين عن رواسب الماضي، والانطباع التقليدي عما شابهها من المراكز والأندية في سنوات ماضية، والتي جهد القائمون على النشاط في وزارة التربية والتعليم على تصحيح مسارها وتعديل منهاجها، بما يتلاءم وظروف العصر، فأخذت برامجها تتجه للتدريب على بعض الأعمال الفنية، كالحاسب الآلي، والميكانيكا، والكهرباء، بل وإكساب المهارات الاجتماعية والمهنية التي تنطلق من قيم وتراث هذا المجتمع التي من شأنها إكساب الفرد القدرة على الاعتماد على الذات، وممارسة بعض المهارات الحياتية، مثل إدارة المشاريع الصغيرة، والتفكير الإبداعي، وعوامل النجاح، دون التركيز على منهج ثقافي واحد قد لا تأتي مخرجاته بما نريد، هذا إذا لم يصادم تطلعاتنا وأهدافنا.
لقد قلت وأقول: لقد خسرنا مئات الملايين، وخسرنا غيرها جراء الحوادث الارهابية، وأعمال التخريب التي طالت ممتلكاتنا ومنشآتنا،وشوهت صورة الاسلام وأضرت بمناشطه الداخلية والخارجية.
يا معالي الوزير ألا نسخر بعد هذه الكوارث المؤسفة، جزءا مما تنفقه الدولة على هذه الاندية ومراكز الأحياء، ونضاعف البذل المادي لها، لكي تمارس أدوارها الوقائية والبنائية والعلاجية، ونستثمر هذه المنشآت اقتصاديا وثقافيا، بعد أن ظلت عقودا من الزمن آبارا معطلة في قصور مشيدة، وكأني بك ستتمثل بقول الشاعر:


أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

هذا هو عين الواقع وكبد الحقيقة التي لا يريد الاعتراف بها إلا المنصفون يا معالي الوزير، فأرجو أن تثب من جديد على فكرتك ورؤيتك، علنا نراها واقعا ملموسا.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved