Saturday 26th June,200411594العددالسبت 8 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

من روَّعك يا جون؟! من روَّعك يا جون؟!
محمد بن عبد الله بيهان

حتى لا يتبادر إلى ذهن القارئ أن المقصود جونسون باول الذي اغتالته يد الإرهاب أسارع إلى القول إن جون هذا يحلو له دائماً أن يسمي نفسه (أبو مشعل)... معلِّم لغة إنجليزية في إحدى مؤسسات التعليم الجامعية بالمملكة.
أذكر أنني قابلته أول مرة في مناسبة عامة فقدَّم نفسه إليَّ بقوله أنا جون (الفيل) يقولها على سبيل الدعابة وذلك لأنه طويل القامة، ضخم الجثة، كأنه فيل حقاً...
جون هذا يفاجئك ببساطته في الحديث وبشخصيته المرحة وبضحكته العالية.
جون شخص لا يمكن أن يترك لك فرصة نسيانه أو التغافل عن حديثه، يترك لديك انطباعاً قوياً مبهراً بشخصيته التي هي مزيج من البساطة والعلم والثقافة والحرص على الاندماج في المجتمع بشكل سريع.
جون الذي يسمعك النكتة تلو الأخرى بعضها يضحكك حقاً وبعضها يضحكه هو فقط ولكنه يضحك وحده مستغرقاً في الانسجام إلى أبعد الحدود.
جون هذا يرتدي الزي السعودي بطريقته الخاصة، لا يهتم بمناسبة المقاس لجسمه الطويل العريض ولا بشكل المرزاب أو تركيبة العقال.
جون هجر الملعقة والسكين منذ الأسبوع الأول من وصوله إلى السعودية، يأكل بيده بشكل يغريك بتأمل طريقة أكله. علَّمه أحد طلابه بيتاً من الشعر يردد جزءاً منه بطريقة مثيرة. يهز يده اليمنى قائلاً: (اضرب بخمس).
جون تعلَّم كيف يسم الله في بداية الأكل ويذكِّر من حواليه بقوله (عيب) لازم بسم الله.
جون يقبل الدعوة بسرور بالغ. دعاه أحد طلابه لتناول الغداء، فأجابه قائلاً (اضرب بخمس) فقال الطالب نعم. وأكل أكلة شعبية إنها (المطازيز) وأعجب بها وكتب إلى أهله يخبرهم بهذا الحدث العظيم!!
قابلته مرة فحدثني عن هذا الأمر، وأخرج ورقة من جيبه ليقول لقد أكلت إلى الآن الأكلات الشعبية التالية: كبسة، مثلوثة، مطازيز، حنيني، عصيدة..
جون أحب هذا الشعب وأحب هذا الوطن. عاش بساطة الإنسان السعودي وحبه للضيف وانفتح على ثقافته وتعلَّم كثيراً من عاداته وتقاليده. حدثني عن مشاعره وهو يغادر بلده لأول مرة وكيف أن أهله حاولوا ثني عزمه عن القدوم إلى المملكة وكيف صوَّروا هذا المجتمع الصحراوي والجفاء والغلظة التي سيكابدها هنا. ولكن خاض التجربة فكان أن وقف مشدوهاً في مطار الرياض وهو يرى تحفة فريدة في التصميم والجمال ومبهوراً بشوارع الرياض العاصمة التي تشكِّل بعداً حضارياً وهندسياً راقياً. وتعلَّق بصيف الرياض وبليل الرياض وبأهل الرياض.
جون أبو مشعل.. هذا هو الاسم الجميل الذي أحبه وعرف به بين طلابه وزملائه.
جون لَبِسَ الشملة وأحب القهوة العربية والتمر والأصالة العربية.
جون.. ارتحل إلى الصحراء إلى الثمامة وحفر العتش إلى التنهات.
جون.. حلب الناقة وشرب لبنها وركب الجمل وحمل العصا.
جون اللندني.. أصبح جون (أبو مشعل).
جون قرأ كثيراً عن الإسلام وانبهر بتعاليمه. قارن بينه وبين النصرانية. شهد أن الإسلام يدعو للرفق واللين والتسامح وأنه دين عالمي النزعة وعرف سرَّ انتشاره في أنحاء المعمورة.
جون اقترب من إعلان الشهادة والدخول في دين الحق.
جون... شدَّه صوت المؤذن وهو يردد (لا إله إلا الله).
جون... يقول إن ديناً يؤمن بكل الأديان السماوية لهو دين الحق.
إن الدين الذي يبيح لأتباعه التعامل مع الأديان الأخرى إلى درجة المصاهرة لهو دين الحق.
هكذا كان جون... قاب قوسين أو أدنى من الدخول في الإسلام.
جون بين عشية وضحاها أسود ليله، وخبت البسمة من وجهه وانطفأ السرور بين عينيه.
جون... حزم الأمتعة وعزم على الرحيل. ودَّع زملاءه في المطار باكياً حزيناً.
من روَّعك يا جون؟.. ماذا دهاك يا (أبا مشعل)؟. من أفقدك البسمة؟ من سد في وجهك طريق الخير والأمل؟ والصلاح والهدى؟ من يا جون؟ ماذا دهاك يا جون؟
جون لا يجيب إلا بدمعة ويخرج صورة من جيبه تبين مشهداً قاسياً لقتل ذمي بطريقة بشعة.
جون يعود إلى وطنه بذكريات هي مزيج من السعادة والحزن.
يا جون
تأكد أن الإسلام كرَّم الإنسانية وحفظ للإنسان حقه في الحياة والأمن والاستقرار وكفل له من الحريات السياسية والدينية ما لم يعرفه دين آخر.
يا جون
وأنت تعيش معنا تأكد أن الإسلام ضمن لك حق المعاملة الحسنة والحماية والرعاية والعطف. وتأكد أن ذلك السلوك الذي لمسته في معاملتنا لك ومعاملة طلابك لك الذي جعلك تعتز بأبي مشعل إنما هو السلوك الذي تشرَّبناه من ديننا الحنيف الذي يأمر بالعدل والإحسان.
يا جون
وداعاً ... ومزيداً من القراءات في الإسلام. شرح الله صدرك أبا مشعل.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved