Saturday 26th June,200411594العددالسبت 8 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أنتِ طالق !!! أنتِ طالق !!!
عبداللطيف بن إبراهيم آل غضية - بريدة

في أحد المساءات وبقسم الطوارىء بإحدى مستشفيات الولادة والأطفال حركة غير اعتيادية، فمن ممرضة تمد أنبوب المغذي لأحد الأطفال، ودكتورة تكشف على إحدى النساء وغرفة للانتظار تكتظ بالمراجعين. وفي هذه الأثناء يدخل رجل بخطى سريعة فيجري لحظة ويسقط أخرى فرجلاه لا تكادان تحملانه من هول ما أصابه ومعه زوجته وقد حملا طفلتهما التي تبلغ ثلاث سنين وقد ظهر عليهم علامات الفزع والاضطراب. واتجها إلى غرفة العناية وهما يصرخان ويناديان بأعلى أصواتهما: يا دكتور.. يا دكتور.. يا جماعة النجدة.. النجدة أسرعوا أنقذوا الطفلة من الهلاك. وقد بدا على جميع من في القسم الهلع والخوف فهرع جميع العاملين لنجدة الطفلة التي بدا عليها الإغماء وفقد الوعي.
وبعد الإسعاف والكشوفات والتخطيطات تبين أنها فارقت الحياة متأثرة بجراحها ولما علم والدها بوفاتها هدد وأزبد ووعد بالانتقام وخرج بسرعة خافتة متجها نحو المراجعين والعاملين وهم يشاهدون الموقف بصمت ووجل وحينها أطلق كلماته الممزوجة بالغضب قائلاً: ليشهد الجميع على ما أقول ثم صرف نظره نحو زوجته قائلاً: أنت طالق.. ثم طالق.. ثم طالق.. فسقطت الزوجة على الأرض مغمياً عليها.
وإنه من حيثيات القصة وبراءة من الطفلة كانت تعبث بأثاث المنزل مفسدة ومخربة بعض الأثاث كغيرها من الأطفال وبسكرة أغلاق وغضب من الأم قامت بضرب الطفلة ضرباً عنيفاً مبرحاً سقطت الطفلة مغمياً عليها حتى لحق عليها الموت.. وقد أسدل الستار على هذه القصة الدامية بموت الطفلة وطلاق الزوجة بالثلاث أ.هـ.
ومن خلال هذه الحادثة نستلهم بعض الدروس والوقفات والتي نرجو أن نستفيد منها والإخوة القراء.
فأولى هذه الوقفات ومن خلال حياة هذين الزوجين السابقة. كم كانا يمنيان نفسيهما بأمنيات سرعان ما تلاشت. فكم رسما أحلاما لطفلتهما من مستقبل مشرق تعيش فيه هذه الطفلة حياة سعيدة ودراسة وزواج واستقرار وأمنيات كثيرة.
بل أين ذكريات اول ليلة دخل فيها هذا الزوج على زوجته وهي في أجمل حلة. بل أين ذكرى زغاريد الفرح والابتهاج بخبر ولادة هذه الطفلة وأين.. وأين.. تساؤلات عديدة تبرز لنا حقارة الدنيا وسرعان زوالها، فهي حياة لا تدوم فيها الأحوال على حال، فقد قيل دوام الحال من المحال.
وثاني هذه الوقفات وهي بيت القصيد وهي انعدام الرحمة بل ضياع الشفقة عند بعض الأمهات والتي يفترض أن تكون مصدر الحنان والرحمة والشفقة. فكيف لنا بامرأة بلا رحمة ولا شفقة التي من طبيعة الأنوثة الشفافية والحنان. فالنساء اللاتي فقدن الحنان والرحمة يعتبرن مريضات يحتجن لعناية وعلاج بل من فقدت منه الرحمة فهو شقي ففي الحديث الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنزع الرحمة إلى من شقي) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع, وهذه الأم التي طال أذاها لطفلتها البريئة تحتاج لمزيد من العلاج المركز والمكرر وإنني أرجح سبب انعدام الرحمة والشفقة هو البعد عن الله وضعف الدين وطغيان المادة والحضارة المقيتة وتقديم حطام الدنيا على زينة الحياة وهم الأولاد، فنحن نحافظ على الأشياء الثانوية التكميلية على حساب ضرب الأطفال خشية فساد هذه الكماليات التي يمكن إيجاد غيرها واستبدالها.
وصورة أخرى من صور انعدام الرحمة: والمتمثلة في منع اصطحاب الأطفال لبعض قصور الأفراح مع أحد والديهم فكم تسبب لنا هذا المنع من مشاكل عديدة على أطفالنا من آثار نفسية سيئة عادت عليهم بالصدمة العنيفة البعيدة المدى فهل من المعقول أن يقدم ويكرم الأثاث والكماليات على أطفالنا الأبرياء بل هذا ظلم عنيف وإننا لا نُعد هذه التصرفات والقسوة إلا تقليداً أعمى ينافي أهداف التربية الإسلامية التي تنادي بعدم إبعاد الأطفال عن أنظار والديهم بل إن علماء التربية عد استصحاب الأطفال مع أحد الوالدين أنجح طريقة في التربية السليمة وهي القدوة والتي فُقدت في هذه الأزمنة بل إنها تحارب من عدة وسائل كمنع دخول الأطفال لقصور الأفراح وغيرها كثير.
وصورة أخرى من صور انعدام الرحمة وهي ترك الحبل على الغارب وتسليم زمام تربية وعناية الأطفال لبعض الخدم الذين لا نأتمنهم على ممتلكاتنا فضلاً أن نسلمهم (حياة) وفلذات أكبادنا. فكم قتل هؤلاء الخدم براءة أطفالنا بإفساد عقائدهم منذ الصغر والقصص والأخبار شاهدة على صحة ما نقول. فكم شاهدنا بعض الأطفال يقوم ببعض الأعمال والحركات والتي تتنافى مع الآداب ويرفضها ديننا الحنيف كالحركات الثالوثية (النصرانية) وهو لا يعلم حقيقة ما يقوم به لكنه شاهد الخادمة تقوم بذلك فقام بالتقليد لأن الطفل كما ذكرنا يقتدي بالمربي القدوة وكيف لنا بطفل يقوم على تربيته إنسان لديه انحرافات بالعقيدة والسلوك، فقد قال الشاعر:


إذا كان رب البيت بالدف ضارباً
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

وكم سمعنا من قصص العنف وتعدي الخادمة بضرب الأطفال. وقصة الخادمة التي غرزت (الدبابيس) برأس الطفلة ليست ببعيدة ولا يجهل أحد هذه القصة وأمثالها كثير. فأين رحمة هذه الأم بل أين حنانها التي تدعيه وهي تُسلم فلذة كبدها لهؤلاء الخدم الذين لديهم انحلال خلقي وأخلاقي وإنك لتفاجأ بالحجج الواهية من قبل بعض الأمهات بانشغالهن عن أطفالهن وتسليمهم للخادمات، إما بانشغالهن بأمور تافه ثانوية أو حتى بارتباطهن بأعمالهن الوظيفية وإن عملها الوظيفي لا يعفيها من تربية أولادها وتركهم بإهمال وتسليمهم للخدم الذين هم بالحقيقة يحتاجون للتربية الصحيحة إما بتصحيح إسلامهم إن كانوا مسلمين أو دعوتهم للإسلام إن كانوا كفاراً بل لابد أن تقوم الأم بالإشراف المباشر والعناية والاهتمام على الخادمة إن كان لابد.
وثالث الوقفات: وهي شر البليات والتي عدها المربون من أعظم المصائب وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالحلال البغيض وهو الطلاق فقد ازدادت حالات الطلاق مما ينذر عن مشاكل اجتماعية خطيرة. فهل الطلاق علاج لمشاكلنا الاجتماعية المتكررة والتي تعاني منها بعض البيوت معاناة شبه يومية، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بضبط النفس وعدم العجلة والتروي بإصدار القرارات المصيرية كالطلاق مثلاً فكم هُدمت منازل وتفرق شمل وتكدرت خواطر وكل ذلك بسبب الطلاق والذي يكون من أسباب تافهة وإن أهم تلك الأسباب الغضب فالغضب خلق ذميم يجر صاحبه غالباً إلى ما لا يحمد من الأقوال والأفعال وهو صادر من الشيطان. فلذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبعد عنه بل إنه ذم المتعاطين له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). متفق عليه. وهذا الزوج الذي قام بإطلاق كلمات الطلاق المتكررة والتي يبدو أنه ندم على فعلته تلك، لأنه خسر طفلته بموتها وخسر زوجته بالطلاق الثالث. وكل هذا بسبب حدة غليان الغضب لدى هذا الزوج. ولو كان هذا الزوج أخذ بأسباب العقاب المشروع تجاه هذه الزوجة التي تسببت بقتل الطفلة والتي قد تكون غير قاصدة لقتلها ولكن لمجرد العقاب، لكانت المشكلة أخف وأقصر من أن تنهدم وتنتهي هذا العائلة بأكملها ولكن لا ينفع الندم على ما مضى.
وصورة أخرى من صور الطلاق والتي قد تحدث وتقع بشكل شبه يومي، ما يكون بسبب أمور بسيطة كإعداد الطعام وعدم غسل وكي الملابس والمصروف اليومي وغيرها من الأمور التي يمكن استدراكها فيما بعد، وأقول إن هذه الأمور لا تساوي دوام العشرة بالصبر والمصابرة ومعرفة نفسية كل واحد من الزوجين.
ومشاكل الطلاق وأسبابه لا يمكن لنا أن نحصيها بهذه العجالة من خلال هذه الأسطر القليلة لكن أردنا الإشارة والتحذير من عدم التساهل به والبعد عنه وليعلم الإخوة القراء أن إيقاع الطلاق ليس هو مجرد كلمة تقال فحسب بل إنها كلمة تجر وراءها الويلات الطويلة والأحزان المستمرة.
لذا لابد من تهذيب الأخلاق بالتحلي بالصبر والتأني وعدم العجلة حتى تسير عجلة الحياة الاجتماعية بسلام.. إذاً فالطلاق ليس السبيل لحل مشاكلنا.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved