تمتلئ الصحف هذه الأيام بالحديث ولو قدر للأيام أن تسير حسبما يخططه الإنسان لنفسه لكنت الآن أعمل في حقل التدريب في المملكة ولكننا نخطط لشيء والله يقدر لنا مايشاء. ظننت في يوم من الأيام أن المستقبل للتدريب فالمملكة دولة ناشئة وعندها فلوس فمن البديهي أن يكون التدريب هو أهم عنصر من عناصر استراتيجيتها. ولكن قلة الفطنة شيء والواقع شيء آخر.
كنت في يوم من الأيام مدير التدريب الإداري في الاتصالات السعودية أيام وزارة البرق والبريد والهاتف. كانت استراتيجيتنا في السعودة هي التدريب ثم التدريب ثم التدريب وأي شيء خلاف التدريب في مسألة السعودة هو كلام فاضي. حتى أننا جعلنا إدارة التدريب وإدارة السعودة تقريبا إدارة واحدة كنا نعمل شبه مستقلين عن بيروقراطية الوزارة ولا أبالغ إذا قلت إن الاتصالات السعودية صارت في يوم من الأيام مصنعا لإنتاج المدراء السعوديين الأكفاء الذين تتسابق عليهم المؤسسات الحديثة في المملكة. على أي حال كل هذا راح مع غبار السنين وعادت الوزارة إلى سيرتها الأولى كما عادت حليمة إلى عادتها القديمة.
أتذكر أول مسمار دق في نعش التدريب والسعودة كان تعميما صادرا من مقام الوزارة. بدأ كالعادة ب(لوحظ). والمتضمن التعليمات الصارمة في كل المجالات. منذ ذلك التعميم وأنا أعاني من حساسية شديدة من أي تعميم يبدأ ب(لوحظ) (لوحظ كثرة خروج بعض الموظفين أثناء الدوام) - لوحظ أن بعض الموظفين لايتقيدون بورقة الحضور والغياب) (لوحظ أن أحد الموظفين ترك نعاله أما صالة...) إلى أخر (اللواحظ الجميلة) التي يعرفها كل موظفي الدولة.
كانت الاتصالات السعودية تحت إدارة شركة بل كندا الكندية وكنا نعمل مع الكنديين جنبا إلى جنب.
علمنا الكنديون أن كلمة السعودية بدون التدريب كاستراتيجية هي مجرد تأمين أكل عيش للمواطنين. ورغم مرور سنوات على هذا إلا أني كلما رحت أتقضي من سوق الخضار الذي يعد أول برنامج سعودة صممه خبراء (لوحظ) تذكرت كلام الكنديين.
السعودة التي عشعشت في ذهني ومازالت تقاوم الاقتلاع لا تقوم على تأمين وظائف للسعوديين وإنما تأهيل السعوديين للوظائف. وكما سبق أن قلت إذا كان هناك سعوديون قادرون على مزاحمة العالم على وظائفهم في عقر دارهم عندئذ نستطيع أن نقول إننا حققنا السعودة.
نحن مثل العالم من جهة ولكن لنا مشاكلنا (خصوصيتنا!) من جهة أخرى. ومعالجة هذه المشاكل هي جوهر التدريب. بحيث نبدأ من خصوصيتنا. تجربة الاتصالات تقوم على قاعدة (وظفه ثم دربه على رأس العمل) فجزء من نشاطه في العمل هو التدريب. يصبح رئيسه السعودي وزميله الأجنبي مدربين له بالإضافة إلى جهة التدريب التي نظمت البرنامج وليس معهد الإدارة. (على فكرة معهد الإدارة ووالدته الحنون وزارة الخدمة المدنية هما اللذان أنتجا ثقافة (لوحظ).
كان لدينا في الاتصالات السعودية برنامج شامل لكل السعوديين يسمى خطة التطور الوظيفي career plan يعالج مشاكل كل موظف على حدة. يتم تصميمه بالاتفاق بين مدير الموظف وبين إدارة التدريب.
للحديث بقية
فاكس 4702164
|