سواء كان نصيبه الحب أو اللعنات، وسواء نال الاحترام أم الازدراء، فإن بيل كلينتون هو أحد أكثر الشخصيات السياسية تعقيداً وإثارة للاهتمام في هذا العصر. وباعتباره الرئيس رقم 42 للولايات المتحدة، حكم كلينتون في فترة سادها الازدهار الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والعديد من النجاحات في السياسة الخارجية حيث أدى إنشاء منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية على المساهمة في انضمام العديد من دول الكتلة الشرقية السابقة على حزب الناتو وانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. كما تميزت فترة حكمه أيضا بسلسة من الفضائح والتي كانت أشهرها فضيحة مونيكا لوينسكي والمحاكمة المخزية التي تبعتها مما أدى إلى تشويه الكثير من انتصاراته. ولأنه ترك البيت الأبيض وهو لم يتجاوز الثالثة والخمسين من العمر، واصل كلينتون نشاطه الكبير في الحياة العامة حيث أنشأ مؤسسة ويليام جي. كلينتون الرئاسية من أجل مكافحة الإيدز. والتهاب الكبد الوبائي حول العالم ومكافحة التميز العنصري والعرقي والدين والتنمية الاقتصادية للفقراء وخلق الزعامات وخدمة المواطنين. وفى مذكراته بعنوان (حياتي) التي صدرت مؤخرا يكشف كلينتون عن فلسفته السياسية ويتحدث عن وجهة نظره في الأحداث الماضية باعتبارها فرصة سانحة للتأثير على منزلته في التاريخ.
وتعتبر هذه المذكرات بورتريه شاملاً لزعيم عالمي قرر تكريس مواهبه الثقافية والسياسية وقدرته الهائلة على العمل الشاق لخدمة الجماهير. كما أنها أكثر المذكرات الرئاسية تفصيلا وشمولا وشهادة على الاثر الايجابي الذي تركه على أمريكا وعلى العالم. إنها قصة حياة شخصية وطنية عالمية عظيمة تكشف عن مواهبها وتناقضاتها. إنها قصة مليئة باللحظات الساحرة والدروس المستفادة يتحدث فيها الرئيس كلينتون بكل صراحة ووضوح وتلقائية بصوته الخاص.
إن إصدار هذه المذكرات سوف يلقي الضوء على فترة رئاسية كانت مختلفة تماما من حيث السياسة والأسلوب عن فترة ريجان ومع ذلك فإن كلينتون، مثله مثل ريجان، كرئيس سابق استطاع الكشف عن التناقضات التي حدثت أثناء حكمه وفى نفس الوقت لم يقلل من زعامته. مثل ريجان، يعتبر كلينتون الآن حجر الزاوية في حزبه بما في ذلك المرشح الرئاسي جون كيري.إن عبارة (مثل كلينتون) تستخدم بواسطة فريق كيري وديمقراطيين آخرين من اجل توصيل أفكار معينة بشأن كيفية الوصول إلى البيت الأبيض وكيفية القيام بالحكم. وحينما كان في السلطة، تمت الإشادة بكلينتون باعتباره (سيد الارتجال) بمعنى تقدير الموقف من خلال الذهاب إلى الأمام والرجوع إلى الخلف لمواجهة اللحظة ولكنه ثارت حوله الشكوك بشأن أنه يهدف فقط إلى البقاء. والآن، على الأقل في أوساط الديمقراطيين، هناك اتفاق عام على ما تعنيه عبارة (مثل كلينتون) وهو ذلك السجل الذي أدت السياسات المختلفة للرئيس بوش إلى فعل نقيضه تماما.
وعلى المستوى العالمي، قام بالوقوف إلى جانب التحالفات باعتبارها قيمة عليا للسياسة الخارجية حتى لو كان ذلك يعني أن تستجيب الولايات المتحدة لرغبات حلفائها. أما على المستوى المحلي، فقد ناصر كلينتون مبدأ أن البرامج الليبرالية يمكن أن تنجح فقط في سياق نظام مالي ذي عيوب أقل ويحتوي دائما على فائض في الميزانية. وعلى المستوى السياسي، آمن كلينتون بأن الناخبين يدعمون أنشطة الحكومة طالما حدث ذلك على نحو لا يثير المخاوف من التوسع في البيروقراطية.
وهذه الأخيرة المعتدلة، التي صاحبها حذر يتصل بكيف يمكن وصم الديمقراطيين بأنهم حزب الحكومة المراوغة، يتم تبنيها الآن من قبل حزبه على نحو لم يتم إتباعها عندما كان كلينتون في سدة الحكم، حينما واجه سيلا من الدعاوى من جانب المشرعين النشطين والليبراليين الذين آمنوا بان رئاسته لم تحقق إلا القليل.
فمنذ أربع سنوات مضت، ابتعد نائبه آل جور عنه اعتقادا منه أن الفضائح الشخصية التي أدت إلى وصول الجمهوريين إلى البيت الأبيض يمكن أن تدمر حملته الرئاسية.
أما مديرة حملة كيري الرئاسية ماري بيتش كاهيل، فقد أعلنت أن (جون كيري لا يخجل بأي حال من الأحوال من تراث كلينتون). (إنه شعر إنه كان شريكا فيه وذلك من خلال تدعيم برنامج كلينتون الاقتصادي علاوة على ذلك فإنه يعلم أن المنهج المتفائل الذي جلبه كلينتون كان شيئا جيدا وأنه معجب به).
وأعلن دافيد جيرجن، الذي عمل مع كل من ريجان وكلينتون أن كلينتون قد جاء إلى الحكم على أمل أن يقوم أولا بالحكم مثل الديمقراطي رونالد ريجان، بمعنى أن يتخذ مواقف جريئة وطموحة من الناحية الأيديولوجية وأن يدفع البلاد في هذا الاتجاه. وقد أدى فشل برنامج الرعاية الصحية وسيطرة الحزب الجمهوري على الكونجرس إلى إجبار كلينتون على قبول سياسة دفاعية كان محورها ووصف المعارضين لها بأنهم من المتطرفين. وقد ثبت في النهاية أن ذلك كان أكثر فعالية.
وأعلن جريجن (أنه على المستوى المحلي قد حافظ على الأهداف المحلية ولكنه قام بتغيير الطرق التي يمكن بها تحقيق ذلك).
وقد عرض على الناخبين الديمقراطيين بديلا لأسلوب كلينتون، حينما قام محافظ (فيرمونت) السابق هوارد دين بحث حزبه على رفض تأكيد كلينتون الدائم على الناخبين في الضواحي وعودة الزعامة إلى (الجناح الديمقراطي في الحزب الديمقراطي) وبما انه فشل في ذلك، فإن ذلك يعني أن هناك تأييداً داخل الحزب لمنهج كلينتون المركزي، كما قال بروس ريد مساعد كلينتون السابق المصاحب لكيري. وحينما كان في البيت الأبيض وفى السنوات اللاحقة، قام كلينتون برسم صورة مبهجة لكوكب متنوع ومتصل ببعضه البعض. وكما يراه كلينتون، فإن العالم مليء بالخير والشر، ولكن يمكن تحقيق الخير إذا قامت الدول بخلق عالم يسوده التعاون. وفي أوروبا وفي أي مكان آخر، تبين استطلاعات الرأي أن كلينتون ما زال يحتفظ بشعبية هائلة.
وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية، أصبحت نظرة بوش أكثر سوادا أو كما يقول أنصاره أكثر واقعية. وقد قام بالتأكيد على عالم تسوده الكراهية حيث يعتبر المتطرفون القيم والنوايا الطيبة للمجتمع العالمي أمرا يستحق الازدراء. ويقول بوش إنه يرحب بالشركاء في الحرب ضد الإرهاب، ولكنه أعرب دون لبس أن القوة وليست النوايا الحسنة هي التي لها الأولوية العليا.وهذه المناقشة، التي تتمثل في هل الاعتماد على القوة أم على المجتمع العالمي؟ يجب أن يمثل منهج أمريكا تجاه العالم، قد أصبحت سائدة في السياسة الأمريكية، أم الجدل حول تراث كلينتون فإنه يعتبر على نحو ما نسخة أخرى من المناقشات الدائرة حول الإرهاب والحرب على الطرق.ويقول جون بودستا رئيس العاملين بالبيت الأبيض في عهد كلينتون ورئيس المركز الليبرالي للتقدم الأمريكي (إن كلينتون كان يدرك أن العالم قد أصبح أكثر تعقيدا وأكثر اعتمادا على بعضه البعض وأن أمريكا تصبح أكثر قوة من خلال خلق تحالفات قوية). وهو يؤمن بأن المحافظين يقفون خلف الفكرة التي مفادها (لأننا على حق فإن ما نراه هو الصحيح. وأن العالم سوف يتتبع الطريق الذي نسير فيه باستخدام القوة وحيدة الجانب).
وقد أشار كلينتون نفسه إلى تناقض مشابه. ففي حديث له في جامعة كانساس، أعلن أن البلاد تحتاج إلى (استراتيجية لجلب المزيد من الشركاء والحد من الإرهابيين).وأضاف قائلا: (إذا كنت تؤمن بأن العالم مرتبط ببعضه البعض وأنك لا تستطيع أن تقتل أو تسجن كل أعدائك الفعليين أو المحتملين، فآجلا أو عاجلا سوف تضطر إلى إبرام صفقة ما). وقام كيري بالمثل بالتأكيد على أهمية تعزيز التحالفات ومحاربة الإرهاب على نحو متعدد الأطراف.وأوضح بالمؤشرات على موافقته على رؤية كلينتون العالمية يتمثل في نوعية المستشارين الذين يستعين بهم. ويعتبر صمويل (ساندي) بيرجر، مستشار الامن القومي في عهد كلينتون وريتشارد هولبروك مندوب كلينتون في الأمم المتحدة مستشارين مهمين غير رسميين لدى كيري. على المستوى المحلي، بالإضافة إلى ريد تقوم جين سبريلنج الرئيسة السابقة للمجلس الاقتصادي القومي في عهد كلينتون بتقديم استشارات في الأمور الاقتصادية والمالية لكيري.
وبينما يشعر كلينتون بالسعادة لتبني منهجه أو بشأن مستقبل الديمقراطيين، فإنه قد قرر منذ سنوات طويلة مضت التوقف عن السير على طريق ريجان. وحينما قام الجمهوريون بتمرير قانون المخصصات الذي سوف يعيد تسمية مطار واشنطن المحلي باسم ريجان وقف المستشار السياسي للبيت الأبيض بجانب كلينتون في البيت الأبيض ورفض ذلك.وقد ابتسم كلينتون ووقع القانون الذي احتوى على بنود أخرى طالب بها. وقد حرص على أن تحمل تلك الفترة طابعه الخاص وقام بالتأكيد على الجوانب العملية على حساب الجوانب الأيديولوجية.
ومع ذلك، يقول مساعدوه إن كلينتون لم يقم هو أو زوجته بتغيير رؤيتهما الجوهرية لحقبة ريجان. وبينما كان يقوم بحملته الرئاسية الأولى في خريف عام 1991، أعلن كلينتون في جامعة جورج تاون أن إداراتي ريجان وجورج بوش (الأب) قد (رفعت المصلحة العامة، والمصالح الخاصة فوق مصلحة الشعب والثروة والشهرة فوق العمل والأسرة) كما أطلق على حقبة الثمانينيات (العصر الذهبي للجشع والأنانية).
ومع ذلك بمجرد أن تم انتخابه، أعلن كلينتون إعجابه بريجان والطريقة التي أدار بها الأمور. ويقول له جريجن، الذي يقوم الآن بالتدريس في مدرسة كيندي للحكومة بجامعة كلينتون، إنه يؤمن بأن كلينتون قد أتى إلى البيت الأبيض عام 1993 لأنه أراد أن يضع يده على (سحر ريجان) وربما تساءل (كيف أمكن لريجان فعل ذلك؟).
ومع استعادة الأحداث ربما نجد بعض التشابهات، على الأقل على السطح، بين سيرتي كلينتون وريجان. لقد جاء كلاهما من مدينتين صغيرتين وأسرتين يخيم عليهما إدمان الكحول. كما كان كلاهما محبوبا من الجماهير ومتفائلا بالحياة.
أما الفرق الأساسي بينهما فهو أن كلينتون البالغ الآن السابعة والخمسين من العمر، إذا ظل في صحة جيدة سوف يشارك في الحياة السياسية لعقود قادمة. لقد غادر البيت الأبيض في نفس السن الذي بدأ فيه ريجان حياته السياسية. وإذا عاش كلينتون نفس العمر الذي عاشه ريجان فإننا سوف نودعه في عام 2039.
وقد وجهت صحيفة نيويورك تايمز نقدا لاذعا لكتاب مذكرات الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون الصادر بعنوان (حياتي)، معتبرة انه ليس سيء الاسلوب فحسب بل ومملاً ايضا.
وفي مقال نشر على الصحفة الاولى كتبت الصحيفة ان الكتاب الذي يقع في 957 صفحة ترافقه دعاية اعلامية ضخمة (سيء وكثير المجاملات ومضجر جدا في غالب الاحيان).واضافت نيويورك تايمز التي تعتبر من وسائل الاعلام النادرة التي حصلت على نسخة من الكتاب قبل طرحه للبيع، انه يعكس في العديد من الجوانب رئاسة كلينتون بما فيها من (قلة انضباط ادت الى فرص ضائعة).
واعتبرت الصحيفة انه كان بين ايدي كلينتون كل العناصر التي تتيح له وضع كتاب مثير لكن مذكراته جاءت مجرد (ثرثرة كتبت على عجل).
لكن ناقد نيويورك تايمز اعتبر ان هناك مقاطع رائعة في الكتاب لا سيما تلك التي تتحدث عن مساعيه من اجل التوصل الى اتفاق سلام في الشرق الاوسط.
واعتبرت الصحيفة ان المشكلة في هذا الكتاب ان الرئيس السابق (1993 - 2001 ) الذي تقاضى عنه مسبقا على عشرة ملايين دولار، اراد ان يقدم فيه محصلة لتاريخ رئاسته وان يدعم في الوقت نفسه مسيرة زوجته هيلاري السياسية كعضو في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك.
الكتاب: My Life
تأليف: Bill Clinton
الناشر: Alfred A. Knopf; June 22, 2004 |