أمام رفض ستة من أعضاء مجلس الأمن الدولي، سحبت الولايات المتحدة الأمريكية طلبها بتجديد إعفاء مواطنيها من الملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وكانت أمريكا قد حصلت على (حصانة) لجنودها في القوات الدولية تحميهم من الخضوع لبنود معاهدة روما التي وقَّعت عليها 140 دولة والتي أُنشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية كأول محكمة دائمة لها صلاحية النظر في جرائم الحرب.
هذه (الحصانة) والحماية التي حصل عليها الجنود الأمريكيون يراها المحللون بأنها كانت أهم الأسباب التي دفعت الجنود الأمريكيين، وقادتهم إلى ارتكاب أعمال قاسية ضد مواطني الدول التي تتواجد قواتهم على أراضيها، بل إن ما كُشف عن تعذيب للعراقيين والأفغان ما كان له أن يحصل لو أن الأمريكيين كانوا يخضعون مثل غيرهم للمحاسبة الدولية، ولقد كشفت المنظمات الدولية المهتمة بشؤون حقوق الإنسان الكثير من تجاوزات عسكر أمريكا فمنظمة هيومن راتيس فيورست قد أفادت في تقاريرها الدورية أن قوات الاحتلال الأمريكية في أفغانستان أنشأت على الأراضي الأفغانية سبعة معسكرات سرية للاحتجاز من بينها مركز للتحقيقات، تابع لجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية بالعاصمة الأفغانية (كابول)، ويتعامل المحققون الأمريكيون في هذا المركز مع المحتجزين بنفس الأساليب التي استعملت في سجن أبو غريب للحصول على اعترافات المحجوزين والمعلومات المطلوبة.
أما منظمة الصليب الأحمر الدولية فيرى محللوها أن عدد المحتجزين في تلك المعسكرات الأفغانية السرية غير معروف حتى الآن رغم أن القوانين الدولية تفرض على الدولة التي تحتجزهم الإعلان عن ذلك.
أما وكالة الأنباء الفرنسية فقد نقلت عن اللجنة المستقلة الأفغانية لحقوق الانسان، أن اللجنة سجلت العديد من الشكاوى من المحتجزين الأفغان السابقين الذين قالوا إنهم كانوا يتعرضون للتعذيب الجسدي والسيكولوجي بشكل مستمر من قِبل المحققين الأمريكيين كالضرب الشديد وخلع جميع الملابس ورش الماء البارد وعدم السماح بالنوم.
ويكشف البروفيسور في جامعة ويسكونسين في ولاية مادسون الأمريكية (البروفيسور الفريد ماكوي) في مقال له بجريدة (بوستون غلوب) الصادرة في 14-5-2004، أن الاستخبارات الأمريكية وضعت في الستينيات من القرن الماضي برنامجاً خاصاً لإجراء التحقيق على أساس التعذيب السيكولوجي، وهو أقوى بكثير من التعذيب الجسدي، وقد تم منح هذا البرنامج حصانة قانونية، ويُستعمل هذا البرنامج بصورة مكثفة مع المحتجزين في العراق وأفغانستان وغوانتانامو مما أدى إلى وفاة الكثير منهم في ظروف غامضة.
هذه الأفعال والتجاوزات التي تريد واشنطن حماية جنودها وعناصر مخابراتها من محاسبتهم دولياً تُعد واحداً من أسباب زيادة التطرف والكره الموجه للأمريكيين بوجه الخصوص، والحد من هذه التجاوزات والسماح للهيئات الدولية لمحكمة الجزاء الدولية، ممارسة دورها في محاكمة المتجاوزين لوضع حدٍ للانتهاكات التي حتماً ستخفف النقمة المستشرية والتي تمد الإرهابيين بمبرر يوفر لهم عناصر جديدة.
|