سعادة رئيس التحرير بصحيفة الجزيرة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فإشارة إلى مقالة الكاتب الأستاذ حماد بن حامد السالمي حول المراكز الصيفية، المنشورة في تاريخ 25-4- 1425هـ، فإني آمل منكم نشر تعقيبي الآتي ولكم مني فائق الاحترام والتقدير:
مع بدايات العطلة الصيفية تفتح المراكز الصيفية أبوابها لاستقبال الحشود الهائلة من الطلاب، والحديث عن المراكز الصيفية من أحاديث الساعة التي ما بين مؤيد ومعارض، وإن كانت المعارضة لا تشكل نسبة كبيرة تجاه التأييد، فالبعض يرى أن المراكز الصيفية محاضن تربوية تحتوي الشباب، وتستثمر أوقات فراغهم بالنافع المفيد من الأنشطة التربوية المختلفة، دينية وثقافية وأدبية وعلمية وفنية وكشفية ورياضية، أما الرأي الآخر فيرى أنها أوكار لتفريخ الأفكار المنحرفة، وتكريس لمفاهيم العنف والإرهاب - والعياذ بالله -.
أتوقع أن التأكد من حقيقتها ومصداقية ما يحاك لها أو ضدها أمر سهل ويسير، فأبواب المراكز مفتوحة للجميع سواء لمسؤول أو ولي أمر أو أي زائر، والأنشطة التي تمارس واضحة ومكشوفة للعيان، بل هي في مظلة مؤسسات تربوية رسمية، إذا فما الداعي إلى أن يثار الجدل وترمي التهم وتقذف جزافا دون التحقق والتثبت.
أغلب المعارضين للمركز جملة وتفصيلا لم يكن لديهم أدلة أو أمثلة على الممارسات السلبية، ولو أتى أحدهم بمثال فالأمر قابل للأخذ والرد، ولا يسلم به سلبا أو إيجابا إلا بأمر واضح وجلي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ..}.
عن نفسي شخصيا خضت تجربة مع المراكز الصيفية، منذ أن كنت برعماً صغيراً ثم طالباً في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعية، في ذلك الوقت كنت أتلهف لسماع خبر افتتاح المركز الصيفي، كنت أسعد جدا بلقاء الأساتذة والزملاء، وأفرح جدا بممارسة الأنشطة والبرامج التربوية التي تجمع بين المتعة والفائدة، بل كنت أتمنى أن أيام الدراسة كلها مركز صيفي، الجميع كان يشاطرني الرأي، بل إن أولياء الأمور كانوا يطالبون بافتتاح المركز على مدار العطلة الصيفية، لا أزال أتذكر تلك الزيارات والمسابقات والدورات والرحلات، لا أزال أتذكر مسابقة حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، ومسابقات المقال والقصة والإلقاء، ومسابقة أفضل مجلة وأفضل كاريكاتير، ومسابقة الطهي الخلوي، لا أزال أتذكر الدوري الرياضي الذي يشعل كان الحماس في أجواء المركز بشكل عام، لا أزال أتذكر تلك الدورات العديدة والمتنوعة، كدورة تخريج الأحاديث، ودورة القراءة السريعة، ودورة الحاسب الآلي ودورة في ميكانيكا السيارات، ودورة في الإسعافات الأولية والإنعاش الرئوي، ودورة الأعمال الريادية الكشفية، ودورة تحسين الخطوط، لا أزال أتذكر تلك المحاضرات التربوية والكلمات الإرشادية والأمسيات الرائعة من مشايخ وأساتذة فضلاء، لا أزال أتذكر سباق اختراق الضاحية والمهرجان الرياضي الذي يعم أفراد المركز، لا أزال أتذكر تلك المسرحيات الهادفة والمشاهد التمثيلية الفكاهية، هذا غير ما أسمع عن المراكز الأخرى من أنشطة مختلفة عنا وجديدة ومبتكرة، إنها ذكريات جميلة مليئة بالأنس والمتعة والإثارة، ساهمت في صقل الكثير من المواهب وبناء الشخصية الإيجابية، أبعد هذا كله يدعي من يدعي أن المراكز الصيفية تستقطب الفئة الضالة ويجب إغلاقها جميعا بلا استثناء؟!.
إن المعارضين للمراكز لم ينظروا بعين التبصر والإنصاف، ولم ينظروا إلا من زاوية ضيقة جدا، ثم لنسلم جدلا أن المراكز الصيفية ساهمت في تكوين الفكر الإرهابي المتطرف هل من الأفضل وهل من العلاج إغلاقها ومنع كافة أنشطتها بالكلية؟ وعلى سبيل الافتراض أيضا أنها احتوت على مناشط وسلوكيات سلبية ألا يمكن استثمارها في عكس الاتجاه السلبي لترسيخ المبادئ الدينية والوطنية؟ بمعنى أن تكون أكثر متابعة وملاحظة من قبل المسؤولين التربويين والأمنيين، من جانب تعزيز السلوك الإيجابي لصالح منهج الوسطية والاعتدال، ومن جانب اجتثاث الشر والضرب بيد من حديد لكل ما يمس فكر النشء وأمن الوطن.
أذكر قصة أسطورية حول هذا الشأن، مفادها أن هناك ثلاث قرى تقبع حول واد كبير، القرية الأولى بنت سدا منيعا لتحمي نفسها من خطر السيول الجارفة دون أن تترك فتحات وثغرات في هذا السد، والقرية الثانية تركت الحبل على الغارب، ولم تبن سدا ولم تعر الأمر اهتماما، والقرية الثالثة فقد بنت السد وفتحت فيه ثغرات، بحيث تمنع السيول وتستفيد من الماء، هطلت الأمطار بغزارة واجتمعت المياه في الوادي، وشيئا فشيئا تحول الوادي إلى طوفان هائج، أما القرية الأولى فقد حبست المياه في السد حتى بلغ السيل الزبى، فلم يستطع السد أن يقاوم غضب السيل الثائر، فانفجر وأغرق القرية وأهلك الحرث والنسل، وأما القرية الثانية فقط غطت في سبات عميق، ولم تصبح إلا وقد غمرها الماء من كل حدب وصوب، وغرقت القرية وأهلها، وأما القرية الثالثة فقد سيطروا على الوضع، فقد حبسوا الماء وتركوا بعضه يخرج من السد عبر الفتحات، فسقوا أرضهم وماشيتهم. وحموا ديارهم من الهلاك.
هذه القصة أبعثها رسالة إلى كل من يتخذ سياسة أو فكر الكبت والإقصاء تجاه المراكز وغير المراكز, بل في جميع مؤسسات ومناشط المجتمع والحياة، إذ المسألة ليست سد الباب واستريح كما يقول الكاتب، إنني أخشى أن يصيبنا مثل ما أصاب القرية الأولى أو الثانية.
ومن غرائب ما كتبه عزيزنا السالمي أنه يقترح إسناد المراكز إلى الأجهزة العسكرية كالأمن العام ووزارة الدفاع ورئاسة الحرس الوطني، إذ أن المراكز الصيفية مؤسسات تربوية بحتة، وليست مراكز للتجنيد والتدريب العسكري، إلا إذا كنا نشكك في قدرات المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، مع أنهم - والحق يقال - قاموا بدور كبير وجهود مباركة ومشكورة في بناء فكر الناشئة وصيانتهم من الأفكار المنحرفة، وعلى رأسهم معالي الوزير الدكتور محمد الرشيد، فلهم الشكر والتقدير والدعاء الصادق أن يبارك في جهودهم ومساعيهم، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتهم.
أشرف بن أحمد العفيصان
مشرف تربوي - المجمعة |