لقد اطلعت كغيري على مقال الأخ حماد السالمي في عدد (11581) تحت عنوان (عودة إلى المراكز الصيفية..) حيث شن الكاتب حملة شعواء على تلك المراكز مستدلاً بتصريح مدير جامعة الإمام حينما سئل عنها فقال (إن المراكز ذهبت ضحية الإرهاب، حيث استغلت بعض مناشط المراكز الصيفية من قبل عدد قليل تحدثوا بما ليس لهم به علم..).
وربما لحرص الكاتب على مهاجمة المراكز كيفما اتفق لم يعط نفسه الفرصة الكافية ليعيد قراءة التصريح جيداً، ألا تكفي كلمة (عدد قليل) للرد عليك؟ ألا يمكن ان نسيطر على هذا العدد القليل ونكثف مراكزنا وبرامجنا لاحتواء العدد الكبير الذي لا يرتضي التطرف والإرهاب منهجاً ومسلكاً؟ أعتقد أن الخطأ لا يُعالج بالخطأ.
إن وجود الأماكن التي تحفظ أوقات الشباب من الضياع وتحفظهم من الانحراف الفكري والسلوكي، مطلب مُلح خاصة في ظل الظروف الراهنة، فكان الأجدر أن نوسع مداركنا ونبحث عن الكيفية المناسبة لسد الثغرات التي قد يتسلل منها من يريد الإفساد وبث الأفكار المنحرفة، ويكون ذلك من خلال تأهيل مستمر للكوادر التي سيسند إليها مهمة تسيير برامج تلك المراكز والإشراف عليها، من ذوي الخبرة المشهود لهم بالصلاح والاستقامة وسلامة المنهج وهم كثر ولله الحمد.
إن عدم وجود متنفس للشباب يجمع بين الترفيه البريء والتنافس الشريف، والدورات العلمية والتدريبية التي تؤهل أبناءنا وتجعلهم لبنات بناء لهذا البلد المعطاء.. أقول إن غياب ذلك المتنفس أو الحد منه يعني اتساع الفراغ لدى فئة كبيرة من الشباب، وهنا مكمن الخطر وبداية الشرر..
فإن لم تمارس الأنشطة في وضح النهار، وفق برامج منسقة سلفاً تحت أعين المسؤولين، فمن سيتحمل يا حماد النتائج العكسية التي ربما تحدث - لا قدر الله - عند تجفيف منبع من منابع الخير؟!
ولو قلنا بهذا المنطق أعني التجفيف لانسحب الأمر على أشياء أخرى يدندن البعض في كونها سببا لوجود الغلو والتطرف كالمدارس مثلاً، فهل يعقل ان نحجمها أيضا لوجود ثلة لم تحترم المهنة ولم تقم بواجبها حق القيام؟! أم أننا بحاجة إلى معالجة الأخطاء علاجاً يكفل لنا بإذن الله خلو هذه المحاضن من أصحاب الفكر المنحرف والسلوك المعوج ؟!!
إن النظرة المنصفة للأمور سمة نحتاجها في كل قلم ينتصر لطرح فكرة أو نقد أخرى.
ولكي يؤيد الكاتب ما ذهب إليه من وجود اختراق لهذه المراكز بدأ يكيل التهم ويدخل في النوايا فها هو يقول:(ما سر التهافت عليها من (بعض) منسوبي إدارات التعليم والجمعيات، بمقابل أو بدون مقابل).
وقال (فإن طاقات الشباب والطلبة في الصيف، يجب ألا تترك في متناول أعداء هذا الوطن يحركونها كيفما أرادوا تحت مظلة مؤسسات رسمية وأهلية أو خيرية...).
يبدو أن كلمة (الاحتساب) وكلمة (ابتغاء الأجر والثواب) لم تخطر ببال الكاتب أو لم يبرمجها في قاموسه أصلا عند الحديث عن هذه المراكز، وإلا بِمَ نفسر قوله الآنف (أو بدون مقابل)؟!!
إن أهم ما يشغلهم، المحافظة على أبناء هذا الوطن من الضياع والانحراف، فحرصهم على وطنهم دفعهم للعمل بدون مقابل - والشاذ لا حكم له - وشتَّان بين من كسدت بضاعته في سوق الكلام وبين من راجت في ميدان الفعال:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ من اللوم
أو سدّوا المكان الذي سدّوا
ويقول حماد: حتى إني شاهدت حافلة تحمل (يافطة) إلى مركز صيفي في مركز قروي...!! سبحان الله وما يضيرك يا أخ حماد حينما ترى المراكز انتشرت في القرى والهجر؟ أليست جزءاً لا يتجزأ من وطننا الحبيب؟ أليس لها حق كغيرها متى ما عُرف القائمون على مناشطها بولائهم لدينهم ووطنهم؟!! إن كبار علمائنا لهم رأي في المراكز الصيفية يتسم بالموضوعية ولا غرابة فهم يعون ما يقولون:فهذا العلامة ابن عثيمين رحمه الله سئل عن إقامة مثل هذه المراكز فقال: لا شك أن الحكومة وفقها الله تُشكر على ما تنشئه من هذه المراكز الصيفية، لأنها تكف بهذه المراكز شراً عظيماً وفتنة كبيرة، فما الحال لو أنّ هذا الشاب أو هذه الجحافل كثيرة العدد أخذت تجوب الأسواق طولاً وعرضاً.. أو تخرج إلى البراري أو الجبال ما الذي يحصل منها من شر؟ لكن هذه المراكز ولله الحمد صارت تحفظ كثيراً من الشباب، ولا نقول تحفظ أكثر الشباب، ولا كل الشباب، وأنا أحبذ المراكز الصيفية وأرى أنها من حسنات الحكومة وأحث أولياء الأمور على إدخال أولادهم فيها... ويجب أن يكون القائمون على هذه المراكز من ذوي العلم والأمانة والصلاح والمروءة،..
ثم إنّ على أولياء الأمور من الآباء والإخوة ونحوهم إذا أدخلوا أودلاهم إلى هذه المراكز أن يتحسسوا أخبار هذه المراكز، وينظر كيف يكون مثلا خروج التلاميذ إلى البر ومن الذي يخرج بهم، وهذا حتى يحافظوا على أولادهم.. (من كتاب فتاوى وتوجيهات في الإجازة والرحلات للشيخ: ابن عثيمين إعداد وترتيب - خالد أبو صالح).
ولما سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ عما يثيره بعض الكتّاب في الصحف من اتهامات للمراكز الصيفية وحلقات تحفيظ القرآن وأنها سبب للإرهاب قال سماحته في لقاء مفتوح له في محافظة الخرج في تاريخ 30-3- 1425هـ ما نصه: (يا إخواني المراكز الصيفية التي أقيمت في الرياض والطائف وفي مكة وجدة حضرنا في الطائف مراكز وفي الرياض ووجدنا تلك المراكز يقوم عليها (نخبة من المعلمين والمشرفين والشباب الواعين) وجدنا مراكز تعلم القرآن وتشحذ الهمم وتجري مسابقات علمية تحفظ أوقات الشباب من الضياع، فالإجازة مقبلة فإن احتوي هذا النشء وأحيط بمراكز وقام على هذه المراكز من الرجال الأفاضل والعلماء الناصحين ومن يشهد لهم بالخير والعدالة فإني أرجو من الله أن تؤثر خيراً، وإن أهملت وضاع الشباب وتسكعوا في الطرقات.. وفي الاستراحات ومضى الليل في سهر والنهار في نوم وغفلة فإن هذا منذر شر فالمراكز يجب أن تحفظ ويختار لها من القياديين من يغلب على الظن ويشهد له بالخير والعدالة وأن توضع لها مناهج تتناسب مع قدرات الشباب وتعالج قضاياهم الحاضرة وتربطهم بدينهم وتجعل هذه المراكز منطلقاً ومتنفساً كي يعيشوا في ظلها ونرجو من الله أن يوفق الجميع للخير).
فهل سمعت يا حماد ما قاله علماؤنا غفر الله لنا ولهم؟! ولكي أزيدك من الشعر بيتاً أرجو أن ترجع لمقال الأستاذ الفاضل سعد عطية الغامدي في جريدة الوطن يوم الاثنين 12-4-1425هـ عدد 1340 ففيه روعة البيان ورصانة الكلمة لا حرمه الله أجر ما كتب وحفظ بلادنا من كل سوء.
يوسف بن محمد القويفلي
|