قرأت في زاوية (يارا) من عدد الجزيرة رقم (11589) ليوم الاثنين الموافق 3- 5-1425هـ ما كتبه الأستاذ عبدالله بن بخيت تحت عنوان (سموها بلاد الحرمين)؛ حيث صب جام غضبه على مَن أسماهم (حزب الصحوة الدعوي)، وساق هنالك رؤيته عن بواعث الإرهاب والتطرف محاولاً إلصاق التهمة بكل ما هو حسن في مجتمعنا؛ إذ يقول في فاتحة مقاله: (أرجو ألا تتردد إذا كنت أباً، بل أتمنى على كل مَن يقرأ هذا المقال أن يذهب فوراً إلى أقرب تسجيلات إسلامية ويشتري شريطاً من تلك الأشرطة التي تُباع هناك ويسمع بأذنه ما يُقال فيها وإلى مَن تُوجَّه؛ ليعرف أن ابنه الصغير هو المقرن القادم). وقد تناسى الأخ عبدالله أن (الاستقامة) هي حالة وسط بين حالتي الإفراط والتفريط المذمومتين، وأنه منذ القدم وعلى مر العصور كان هناك منافقون وخوارج يتصنَّعون التدين ويتظاهرون بالخيرية، ولكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وسيبقى الحق أبلج لا تضره الشُّبه ولا عوامل التشويه، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.
إنه، وإن كان التطرف الذي تحدث عنه الكاتب مذموماً وخطيراً، فالتطرف المضاد لا يقل عنه خطورة، وقد تكلف الأخ عبدالله في تأويله ما يمكن أن يأتي على لسان مَن أسماهم (حزب الصحوة الدعوي) من عبارات مثل: (بلاد الحرمين) و(الإنسان المسلم) على أنها محاولة لتثبيت هذه الألفاظ بديلاً عن اسم (المملكة العربية السعودية) و(المواطن السعودي)، وهذا التأويل منه هو من قبيل تحميل العبارات ما لا تحتمل، فاسم (بلاد الحرمين) هو وصف تشرَّفت به المملكة؛ لوجود المسجد الحرام ومسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم على ثراها الطيب، ولعل في اختيار الملك فهد بن عبدالعزيز -حفظه الله- لقب (خادم الحرمين الشريفين) ما يؤكد هذه الرؤية. أما المترادف من أسماء المدن والدول فشواهده كثيرة، مثل: (أم القرى وطيبة وبلاد الشام وفارس والرافدين). أما عبارة (الإنسان المسلم) فالخطب والمحاضرات والدروس الدينية مدار بحثها هو بيان ما يشرع للمسلم من عبادات ومنهج حياة ومعاملات أياً كان جنس المتلقي وجنسيته، وليس في ذلك مغنم لمترصِّد، ثم لا أدري هل هي صفة كمال أم صفة نقص عندما يقول الأستاذ عبدالله عن نفسه إنه كان في الماضي يجامل مَن يهديه شريطاً أو مطوية ثم يتخلص منها، فكأنه بذلك يقول: إنني أضع أصابعي في أذني والإمام يخطب، فلا يعلم إن كان هو المتضرر من فعله أم الإمام؟!
أما في خاتمة المقال، فقد وجه الكاتب دعوة إلى الجهة المختصة في وزارة الداخلية لفضح الذين يقفون وراء هؤلاء الإرهابيين، وهو طلب مشروع لو لم يأتِ ما بعده من بيان عن مراده؛ إذ يقول: (نريد أن نعرف أين درس المقرن وعصابته، وعلى أي المساجد في المملكة كان يختلف، ومَن هم شيوخه الذين يعتز بهم، والكتب التي كان يقرؤها؛ حتى يعرف الآباء حقيقة حزب الصحوة الذي مُورس من خلاله الإرهاب في البلاد خلال السنوات الأخيرة). إنه الظلم بعينه، والتطرف في حقيقته، فالأصل ألا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يؤاخذ المجتمع بأخطاء الشواذ من أفراده، وأن الإرهاب لا جنس ولا دين له، وقد وُجد في مجتمعات أخرى لا تعرف الإسلام ولم تسمع به مَن اقترف الإرهاب بحق مجتمعه.. فكيف عالج القوم قضاياهم حينما لم يجدوا شماعة المشايخ والكاسيت التي طار بها ابن بخيت؟!
ختاماً، نحن مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى وحدة الصف وجمع الكلمة، وعلى مَن يسعى إلى التشكيك في النوايا بين أفراد المجتمع أن يعي خطورة ما يفعل، كما اننا نشد على أيدي رجال الأمن البواسل في كبح جماح هذه الفئة الضالة المارقة التي تستبيح الدماء المعصومة، وتُسفِّه العلماء، وتخرج على ولاة الأمر. ونحمد الله على ما تحقق من إنجاز أمني، وما آلت إليه هذه الفئة من الاندحار والخسران المبين، حمى الله بلادنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.. والله المستعان.
أحمد بن صالح الخنيني
الزلفي - ص.ب: 333 |