نعيش مع أنفسنا أكثر مما نعيش مع غيرنا ومع ذلك نود دائماً لو نتعرف عليها وما فيها من أسرار.
دائماً وأبداً نتمنى الشيء ونهاب الإقدام عليه بالرغم من أنه حلال وأقره شرعنا وعرقلته تقاليدنا وعاداتنا الموروثة.
لماذا أصبحنا كلنا قضاة ومحاكم تصدر القوانين الوضعية طبقاً لمواصفات عالمية، فمهما تكن دقتها وشموليتها الا ويكون لكل قاعدة منها شواذ؟.
جمدتنا العادات والتقاليد منذ القدم في بعض الأمور ومنها ظلم المرأة لنفسها بنظرتها لها قبل أن تظلمها نظرة المجتمع. ففي زواج المرأة من رجل يصغرها في العمر تواجه المرأة طلقات من الألسن وسهاماً من الأعين كلها قاتلة، ويبدأ كل من حول تلك المرأة في إيجاد البحوث والأسباب ودراستها وعمل جدوى لأي مدى سيستمر هذا الزواج، لِمَ كل هذا وذاك؟ إن حق المرأة في الزواج ممن يصغرها موجود منذ قديم الزمان، وإن عدنا إلى الزمن الذي اقتبسنا منه كل الخير في جميع أمور حياتنا لوجدنا أن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم كانت أولى زوجاته السيدة خديجة رضي الله عنها وكانت تكبره بخمس عشرة سنة وكلاهما لم يخجل من هذا الزواج، ولسنا أفضل قدوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أنه لو كان في هذا الزواج خطأ لما أقدم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتأكيد لنزل الوحي مصححاً ذلك الخطأ أو لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصواب.
أما اليوم فنشاهد زواج المرأة ممن يصغرها تدخل فيه حسابات الربح والخسارة كما لو كانت أسهم شركات أو بورصة عالمية.
كفانا نجمد مشاعرنا ما دمنا لا نأتي بحرام، ولا بد أن نتذكر أن هناك من الزيجات الناجحة لا يكون العائد من ورائها أي منفعة ويكون السبب الحقيقي فيها هو (الحب) الذي يحافظ على تلك العلاقة ودعامة قوية من دعائم العلاقات الزوجية.
اعلم أنه سيتوقف من يقرأ هذه الكلمة (الحب) وأمامه علامة تعجب مقرونة بعلامة استفهام، كيف يقال ذلك؟! الحب ليس حراماً بين الزوجين، والإعجاب الذي يؤدي إلى الزواج الحلال ليس حراماً ولا عيباً، وما أعظم دليلاً على ذلك من وصف العام الذي توفيت فيه السيدة خديجة رضي الله عنها وعمه أبو طالب بعام الحزن.
كفانا أخذاً بعموم الألفاظ دون النظر الى أعماقها وما تحويه من معنى جميل. حقيقة أشعر برعد ومطر يغمرني من الأسئلة.. لماذا حين يتزوج الرجلُ امرأةً تصغره بعشرات السنين لا نرى هذا التعجب والسهام القاتلة لذلك الرجل؟، بل على العكس، يبدأ الجميع بترغيبه في هذا الزواج وبدء الحديث بذكر المزايا الحقيقية وغير الحقيقية. سنظل دائماً نعطي حقوقاً لأنفسنا ونحرم منها الآخرين لماذا.. لماذا؟
هناك الكثيرات من النساء اللاتي يتمتعن أولاً بالأخلاق الدينية إضافة إلى الرشاقة والجمال، تقوم بدورها في الحياة أفضل بكثير من فتيات صغيرات في العمر.
قد تعطي المرأة الكبيرة لهذا الشاب الذي يصغرها ما لا يستطيع إحساسه مع غيرها.
أما آن الأوان أن نقف وقفة جادة مع أنفسنا ونعيد حساباتنا في كل شيء حولنا؟ ولنبدأ بداخل أعماقنا ونواجهها بما لا يستطيع اللسان نطقه والتعبير عن رغبة المرأة في الزواج ممن يصغرها ورغبة الشاب في الزواج ممن تكبره، ولنتذكر دائماً قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
|