العفو والمسؤولية الوطنية

تتيح البادرة الخيرة من خادم الحرمين الشريفين بالعفو عن الفئة الضالة فرصة طيبة لهذه العناصر للعودة إلى الحق، كما تشكل اختباراً لمدى مسؤوليتها في تفهم الأمن الوطني والاستجابة لمقتضياته التي تفترض انخراط الجميع في درء الاخطار عن الوطن بدلاً من السعي إلى الزج به في أتون الاضطراب استجابة لموجهات فكرية خاطئة يغلب عليها الغلو والتطرف واوهام بالتكفير وغيره..
إن العودة إلى الحق تستوجب قدرا من الشجاعة ونكران الذات، ولن يكون الأمر سهلا في حال الافتقار إلى الإحساس بالمسؤولية أو التصرف وفقاً لمفاهيم ضيقة وآراء متطرفة، وينبغي على هؤلاء الذين آثروا الخروج على ثوابت المجتمع التمعن في هذه المبادرة وكيف أنها تنطوي على إحساس طاغ بالمسؤولية من قبل الدولة تجاه المواطن، كل مواطن، حتى هذا الذي تجرأ على رفع سلاحه ضد بلده وأبناء جلدته، فهو يبقى في النهاية من هذه الأرض.. كما أن الواجب يحتم إعادته إلى جادة الصواب وفي ذلك حماية لآخرين من الانسياق أو الوقوع في ذات هذا المستنقع أو التردي إلى دوامة العنف..
إن الكثيرين من بين عناصر هذه الفئة الضالة سيجدون أن عليهم الاستجابة لهذه البادرة الكريمة التي تعكس روحاً إسلامية أصيلة بكل ما في الإسلام من عفو وسماحة وتقدير للظروف التي قد تكون دفعت بهؤلاء وأمثالهم إلى الوقوع في أخطاء كبيرة وأخطار عظيمة فضلاً عما يكون من اندفاع لهذه العناصر يرتبط بكونها صغيرة في السن أو لا تدرك بصورة واضحة ما هي عليه وما هي مدفوعة له.
لقد أتاح هذا العفو فرصة أخرى طيبة للتمعن فيما حدث من وقائع جسام غريبة على واقع هذه البلاد، ولهذا فإن المبادرة مثلما أنها تستهدف الفئة الضالة فإنها تطرح على الصعيد العام ما يبعث على التفكر والتمعن في كيفية معالجة مثل هذه الشؤون، كما تدفع إلى التأمل والتدبر في كامل شأننا كمسلمين عليهم التمسك بهذا النبع العظيم من التعاليم والمبادئ السمحة في دستورنا القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكيف أن هذا الإرث العظيم يشكل باستمرار رافداً لا غنى عنه لإثراء حياتنا من خلال إيراد الموجهات اللازمة بكل موقف وبكل مشكلة إلى جانب الاستعانة بالمرجعيات الشرعية والفقهية التي تكفل ايجاد الحلول الناجعة.
وستظل المسؤولية هي أبرز عناصر هذه المبادرة التي تأتي في وقت سجلت فيه قوات الأمن انتصارات مشهودة على العناصر المارقة، أي أن العفو ينطلق من قاعدة أمنية صلبة وفي أفضل حالتها، وهو بالتالي ليس تعبيرا عن ضعف، ومرة أخرى فإنه تأكيد لمسؤولية الراعي تجاه الرعية بكل ما تقتضيه هذه المسؤولية من حزم وعزم، وتقدير للظروف وتشجيع على العودة إلى الحق والوثوق بإمكانية تحقيق العدل..