والحياة حزن وسرور، وانشراح وانقباض، وجدُّ وهزل، وانفتاح وانغلاق، ويسرٌ وعسرٌ، وهمومٌ وغموم، ومدُّ وجزر، وكسر وجبر.
هذه هي الحياة، وتلك سنتها، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، تجمع المتناقضات, وتمتلئ بالعجائب والغرائب، والمتغيرات في ثناياها، وعبر أيامها ولياليها بالعشرات والمئات.
ولأضرب مثلاً على وصفي لهذه الحياة الدنيا، ولكل من اسمه نصيب - بظرف عجيب مرَّبى يوم الثلاثاء الماضي 4- 5-1425هـ في ذلك اليوم مرَّت بي هذه المتناقضات التي ذكرتها في بداية مقالي هذا، وذلك من باب العظة والعبرة - لا من باب الحديث عن النفس، فإن هذا الأسلوب الفردي لا أرتاح له، ولكن كما يقول الشاعر العربي:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً
فما حيلة المضطر إلا ركوبها |
أخي القارئ: في صباح ذلك اليوم التاريخي بالنسبة لي وأنا ابن الثمانين سنة إلا قليلاً - كنت منسجماً مع نفسي غاية الانسجام ومسروراً بلا حدود، وقد تكون تلك الحالة من أسعد لحظات حياتي المتواضعة، لأنني سأحضر حفل زفاف ابنتي الوحيدة وآخر العنقود - كما يقولون - في مساء ذلك اليوم المشهود سألتقي عددا من الأصدقاء والأقرباء والزملاء،- جزاهم الله خيراً- وشكر لهم حضورهم، وتجشمهم الصعاب بسبب الظروف الحاضرة، حيث كان الحفل في موقع حساس من مواقع بلدتي المحبوبة (الرياض)، وقبل إقامة الحفل بساعات معدودة أتلقى خبراً محزناً لم يكن في الحسبان ذلك هو وفاة سيدة فاضلة من أقاربي، وزوجة عمي والد زوجتي.
هي من أعز قرابتي، ومن أفضل بنات جنسها، امرأة طيبة بمعنى الكلمة - متمكسة بدينها، محافظة على صلواتها، تتحلى بأخلاق فاضلة، وتحمل قلباً سليماً، وصدراً رحباً محباً للناس كل الناس - أقصد الخيرين منهم والطيبين.
والشاهد في الموضوع أن أول النهار سرور وحبور، وآخره حزن وترحٌ، -والحمد لله- على كل حال، وصدق الله {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}، وقال سبحانه {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وقال جلَّ وعلا {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}، واسمحوا لي أن أورد هاتين الآيتين الكريمتين، فلعل قارئاً يقول: ما لكاتبنا انطلق يتلو آيات تلو آيات، والقرآن موجود بيننا، ومحظوظ بحفظ الله له.
والجواب أن تكرار آياته على أبصار ومسامع الفرد المسلم، فيه عبرة، وحث على التدبر، واجتلاء الموعظة الحسنة منه سبحانه {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا}، وخاصة حينما يكون ذلك في سياق الرثاء ومقام العزاء.
ويقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- (ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها) (إن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة) والأحاديث بل والآيات في هذا كثيرة، ولعلي أفرد للحديث عن الدنيا مقالاً آخر مطولاً في قادم الأيام إن طال بنا العمر - بإذن الله - والله المستعان.
وفي الختام أقول كما قال الشاعر في وصف حالها:
دار متى ما أضحكت في يومها
أبكت غداً تبَّا لها من دار |
والآخر يقول:
فيوم لنا ويوم علينا
ويوم نُساءُ ويوم نُسَرُّ |
والثالث يقول في قصيدة رثاء الأندلس ردها الله لنا بمنه وكرمه، وأعاد لنا فلسطين السليبة، وأفغانستان الحبيبة.
وأصلح حال العراق والشيشان والصومال، وكل بلادٍ مسلمة يشهد فيها الناس بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
اللهم أعدنا إليك عوداً حميداً، وارزقنا التوبة من الذنوب والآثام قبل نزول الحِمَام والموت الزُّؤام، إنك ولي ذلك والقادر عليه، ورحم الله فقيدتنا العزيزة. ،وأنزل على أبنائها وابنتها الوحيدة الصبر والسلوان، وجميع الأقارب والإخوان، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وأختم بثلاثة أبيات من قصيدة رثاء الأندلس التي أشرت إليها قبل قليل:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سرَّه زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شان |
|