Friday 25th June,200411593العددالجمعة 7 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق وأجنحة"

نقاط فوق الحروف نقاط فوق الحروف
أخلاقيات التعامل الاقتصادي
د. زيد بن محمد الرماني*

إن أحكام الشريعة الإسلامية في مختلف مرافق الحياة البشرية مرتبطة مع بعضها البعض، حيث تشكل وحدة متكاملة، تنشق عن أصل واحد هو العقيدة الإسلامية، وبهذا يتبين لنا أن أحكام الاقتصاد الإسلامي متصلة بالأخلاق الإسلامية اتصالاً عضوياً، وبالمثل فإن الأخلاق لا تنفك عن عقيدة التوحيد، ومن هنا نلاحظ أن أوجه ارتباط الأخلاق الإسلامية بالاقتصاد تتجلى في ذلك التلاحم بينها وبين دعائم الاقتصاد وأهدافه، ويتضح ذلك من خلال عرض نماذج من التعاملات الاقتصادية في الإسلام والأخلاقيات التي ينبغي الأخذ بها مثل:
التسامح والتساهل: من أخلاق الإسلام التسامح بوجه عام، والتسامح في المعاملات الاقتصادية بوجه خاص، ويتمثل هذا التسامح في أمور متعددة منها: السماحة في البيع والشراء والمطالبة بالدين، قال عليه الصلاة والسلام : (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى..) وإنظار المدين المعسر عملاً بقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وإقالة العقد؛ أي الاستجابة إلى فسخه إذا رغب المشتري ذلك لظهور عدم احتياجه إلى المعقود عليه مثلاً، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته).
الصدق والأمانة: هما صفتان من صفات المؤمن بوجه عام، ومن صفات الذي يعمل في الميدان الاقتصادي بوجه خاص، ولا يخفى ما لهاتين الصفتين من جلب الزبائن على المتحلي بهما، وغرس الثقة به في نفوس المتعاملين معه، ولذلك امتدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاقتصادي ورجل الأعمال الذي يتصف بهاتين الصفتين، فقال عليه الصلاة والسلام: ( التاجر الأمين الصادق مع النبيين والصديقين والشهداء).
عدم الحلف: الأصل أن الأيمان شرعت لإنهاء الخصومات بتأكيد وقوع تصرف أو نفيه، ولا يجوز الحلف في غير هذه المواطن، وبناء على ذلك فليس الحلف أداة للكسب وترويج البضائع وإقناع المشتري بها، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق).
إتقان العمل: ربى الإسلام أتباعه على إتقان العمل والإخلاص فيه، حيث أصبح الإتقان خلقاً من أخلاق المسلم؛ يقول - عليه الصلاة والسلام -: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ولا يخفى ما لإتقان الأعمال من تقدّم اقتصادي.
النصيحة: أفاضت السنة النبوية في بيان ضرورة أن ينصح المسلم أخاه، ويبين له ما يراه عند إتمام الصفقة، وفي كل الأمور، من عيب أو مزيد، من كساد أو رواج، حتى تبنى المعاملات والعلاقات على أسس ثابتة سليمة، معيارها معرفة الحقيقة، وإعمال الفكر، وبلوغ الاختيار غايته، والوصول إلى حقيقة الرضا، قال - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة..)، النصيحة لله ولكتابه تعالى ولرسوله الكريم ولأئمة المسلمين وعامتهم في جميع المعاملات.
النهي عن بخس الكيل والميزان: فقد روى ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كانوا أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
ضغط تكاليف الإنتاج: لما كانت السلعة المنتجة يحتاج إليها الغني والفقير والأرملة والمسكين فإنها يجب أن تقدم إليهم بأرخص الأسعار، ولا يمكن ذلك إلا بخفض تكاليف الإنتاج؛ ولذلك وجه الإسلام إلى الاستغناء عما يمكن الاستغناء عنه من النفقات الإنتاجية، والاستغناء عن كل ما يؤدي إلى غلاء الأسعار على المستهلك؛ ولذلك حرم الاحتكار؛ لأنه يؤدي إلى غلاء الأسعار. كما كره السمسرة، وفضل أن يتم التبادل من بيع وشراء ونحوهما بين المنتج والمستهلك مباشرة، ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا يبع حاضر لباد)؛ أي لا يكون له سمساراً، كما كره أن يتخذ المرء نفسه تاجراً وسطاً دون حاجة لذلك؛ لأن ذلك يغلي السعر على المستهلك، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تلقوا الركبان)؛ أي لا تخرجوا إلى مداخل المدن لتشتروا السلع من جلابها ثم تأتون بها السوق لتبيعوها فيه.
وبهذا العرض يتبين لنا مدى ارتباط الاقتصاد بالأخلاق الإسلامية، وهذا عكس ما فعلته الاقتصادات الوضعية، حيث جردت الاقتصاد من الأخلاق، بحجة أن التعامل الاقتصادي تعامل مادي محض محكوم بنظم وقواعد تحدده وتفرضه على الجميع؛ فلا علاقة للاقتصاد بالأخلاق، وإنما صلة الأخلاق يجب أن تتوافر بين الأفراد في صلاتهم الاجتماعية.
وهذه الفلسفة الفكرية القائمة على الفصل بين الأخلاق وبين الاقتصاد في الفكر الوضعي، بدت تهتز أركانها على أيدي بعض المفكرين الاقتصاديين؛ حيث بدأت أصواتهم ترتفع مطالبة بوجوب إخضاع الاقتصاد للمعايير والأحكام والمثل الأخلاقية.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved