كانت فرحتي كبيرة جداً بما حقّقهُ طُلابنا وطالباتنا في الثانوية العامة من نتائج تسعد الإنسان صاحب القلب الحيّ بأن القيادة السامية -رعاها الله- قد زرعت مشكاة نجحت في توجيه الشباب: ذكوراً وإناثاً، نحو الخير والتميز فيه، وأعني بذلك تشجيع صاحب السمو الملكي الأمير: سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض -رعاه الله- من خلال رعايته لحفل جائزة وزارة التربية والتعليم للتفوق العلمي لأوائل الطلاب والطالبات في مرحلة الثانوية العامة للعام الثاني في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الإنتركونتننتال بالرياض، عملاً بمبدأ (الثواب التربوي) الذي يُعزز قيمة العلم، والإخلاص، وعمق التواصل الأُسري بين : الآباء، والأبناء والبنات، والوزارة، والقيادة السامية.
لقد برزت وتأكدت فاعلية التشجيع بمثل هذه الجوائز الثمينة معنوياً ومادياً من خلال تلك المنافسة الجميلة التي تستحق الاحتفاء بها، ولعلّ هذه النتيجة الرائعة لهذه التجربة هي ما دعتني إلى التعليق على مقال في صحيفة الجزيرة (العشرة الأوائل.. أهلية!!) للكاتب الأستاذ: محمد أبو حمرا - الذي بعث في نفسي الحزن من طريقة توظيفنا لنعمة الكتابة الصحفية، وفتح مجال التعليق والحوار في القضايا المختلفة، وهنا أخص قضايا التعليم التي يكرّ حولها الأعداء يمنة ويسرة، فنأتي لنمنحهم ثغرة جديدة دون أن نشعر بذلك.وفي النهاية.. الضرر سيعود على البلاد بأسرها، وليس على شخص الكاتب أو صاحب الرأي المُحاوِر.
ولكي يكون التعليق مُوضوعياً، سأجعله في نقاط متلاحقة، وللكاتب العتب إن اسأتُ فهمَ شيءٍ مما كتب، أو اسأتُ تأويله من خلال العيون والأذهان المُتربَّصة بنا من كلّ حدب، فقِلّة هم الأحباب الذين يقرؤون لنا، ويعذرون أخطاءنا، مما يستوجِب الحذر الشديد من قِبَلِنا:
1- أيّ مقال عن التعليم، سواء كان يمس النتائج، أو طُرق التقويم، أو أمانة التقويم والتدريس، أو المناهج، فهو لا يُنظَر إليه خارج دائرة الأحداث الحالية، حيث هناك كمين مخصص للنيل من استقرارنا التعليمي من أيّ ثغرة يجدها مُفكِّرو ومُحلِّلو الكيانات التي تعادي الأمة الإسلامية، وهذا ما يجعل الكلمات خطيرة، ولا تُرفع عنها دائرة الرقابة والمسئولية، فكلنا ينطق باسم هذا البلد وهذا الدين!
2- طابع المقالة ينتمي للمقالات السّاخرة التي هي أبعد الأنواع عن الحوار، وإذا كنا سنؤسس دعامة إسلامية لرأينا كما ختم الكاتب (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)، فعلينا أن نعمل بأساس هذه الدعامة، وهي أن المبادئ الإسلامية تتآزر ولا تتنافر، فقوّة المؤمن المُفضَّلة لا تتنافر مع أمر المؤمن بالبعد عن السخرية والاتّهام بتهم صعبة في إثباتها، وصعبة في أبعاد آثارها، وصعبة في تحمل جزاء حسابها.
3- كانت السخرية قد جرّت معها كثيراً من الإجراءات والتداعيات الكتابية غير المقبولة، لعدم منطقيتها، وعدم علميتها، وعدم تناسبها مع قاعدة إسلامية عزيزة لا يغفل عنها مسلم، خاصة في هذه الظروف التي تسعى سعياً حثيثاً لجزّ وحدة المسلمين والعرب، ألا وهي: لا فضل لاحدٍ على آخر إلاّ بالتقوى!
إنّ الأُسس التي أقام عليها الكاتب آراءه هي:
أ - التمييز بين سعودي، وغير سعودي!
ب - التمييز بين حكومي، وأهليّ!
ج - التمييز بين: مشاهير، وغير مشاهير!
ولا تعليق لي سوى ضرورة مراجعة هذه التمييزات التي ستبني في شبابنا بذورا لفكر العُنف، والقلق، والحقد، ومنها:
أ - إثارة الغيرة والحسد بينهم وبين أقرانهم من جهة، وبينهم وبين قيادتهم ووزاراتهم التعليمية التربوية من جهة أخرى، بناء على أُسس مادية صرفة، لا علاقة لها بأي دعائم فكرية صحيحة للتنافس الشريف أو للطاعة للمسئول عن الأمر.
ب - سحب ثقة الشباب في المؤسسات التربوية والتعليمية والقيادية، وذلك من خلال التعميم الذي يُظهِر الجميع متآزرين على تفضيل أصحاب الفلوس الكثيرة على الأقل منهم، وليس ينقصنا تقديم أعذار واهية لما يتعذّر به شبابنا المفسدون، لكي نفتح اعينهم على ما لم يروه من قبل أو يُفكّروا في تحويله إلى مظهر فساد يجب أن يفجّروا من اجل إصلاحه!
ج - سحب ثقة الشباب في أنفسهم، وأعني المتفوقين، إذ نُسب تفوّقهم ليس إلى سعيهم الجاد الحثيث المدعوم بالتشجيع والتقدير المكثف بتوفيق الله، مما سيصرفهم إلى البحث عن منافذ أخرى للتميز الذي لا ينتقصه أحد، وهذا من المخاطر التي قد تؤدي لسلوك طرقات غير محمودة العواقب.
د - سحب ثقة الشارع في المؤسسات التعليمية الأهلية (مدارس، وجامعات، وأكاديميات، ومعاهد) التي ما هي إلاّ دعامة من دعائم الوطن، توفر ما لم يتوفر للقطاعات الحكومية، وتُفعّل ما لم يُفعّل في الجهات الحكومية من خلال أموالها التي تشغلها في الكسب الحلال، فهي عضد للدولة وتنمية حلال للأموال وللطاقات البشرية!
إذا فقد الشارع الثقة في الجهات الحكومية، ومن بعدها الأهلية فأين يُولّي الناس!؟ ما الحلّ الذي طرحته المقالة.
هـ - إخماد جذوة الكفاح والرضا بقضاء الله وقدره للإنسان، وترسيخ أن الواسطة تتحكم في مستقبل الإنسان وتقديره، ولا قيمة للكفاح الفردي الشريف. وهذه الظاهرة إن وُجد البعض - وهم - نزر يسير - يدعمها ويعمل بها، فهي لا يجوز ابداً ان تُعمّم على الجميع، فالأسلوب العلمي يُحتّم التقييد والتحجيم، كيلا ينتشر التأثر الفكري بذلك، فيُصبح الخطأ القليل هو الأصل، وهو الغالب في التصور الذهني، مما قد يصبح عقدةً ذهنية ونفسية جماعية، صالحة لترويج بعض المفاسد كما رأينا من ترويج الأعادي بضاعة (البطالة) و (الحجر على الحوار) وغيره من بضائع كاسدة وهي في مهدها!
و - إخماد جذوة الحث على الإبداع، والابتكار، والمنافسة العلمية، وهذا قتلٌ لهدف الجائزة التي تستضيفها الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض.
ز - مناقضة الذات، حيث نسعى -جميعاً- إلى تحصيل الأحسن لأبنائنا، والأحسن -دائماً- هو الأغلى، سواء في الملابس، أو المطاعم، أو مدن الألعاب والترفيه، أو المنازل والأثاث، ونأتي لرفض ذلك في التعليم!! وليس على أنفسنا، وإنما على الآخرين الذين يقبعون في دائرة النقد والملاحظة الدقيقة بعيداً عن نقدنا لذواتنا! وأظن شبابنا، ونحن كذلك، بأشد احتياج للتوازن، ولمعالجة تناقضاتنا، كي نكون قدوة صالحة لأبنائنا وبناتنا، طلاباً وغير طلاب!
ح - جرح مشاعر الطلاب، متفوقين وغير متفوقين، والمتفوقين خاصة، وأولياء أمورهم بشكل أخص، ونحن لا نعلم شيئاً عمّا بذلوه، وعانوه، ودفعوه أثماناً غالية من تعب القلب والفكر، وسهر الليل وكدح الجبين في تحصيل لُقمة العيش التي تدفع الأبناء نحو التميز في أوساط مريحة ومثمرة، فليس للإنسان أغلى من ابنائه، وليس للأبناء أغلى من والديهم ليهدوهم ثمرة تعبهم ناضجة روية، وليس أروع من ذلك وأشد فرحاً للقيادة السامية من أن تستلم هذه الهدية الجميلة، وهذا البر العظيم من ابنائها في هذا الوطن مهما كانوا يحملون عنوانه في جوازات سفرهم، أو بطاقات أحوالهم، أو إقاماتهم، فكلنا دم واحد: عرب، مسلمون، بشر أخيار!
وللتذكير، أفلا نتأمل احتضان الدول الأوروبية والأمريكية للعديد من طلاب العرب الذين اصبحوا أعلاماً مفكرين، أمثال إدوارد سعيد، وإيهاب حسن، وجاك دريدا، فمن لم تستطع قولبته في سياق ثقافتها، وبقي عصياً عليها، محارباً لها -كإدوارد سعيد- ظلوا يفخرون بأنهم من احتضنه، وقدر تفوقه ونبوغه خيراً من أهل دياره وقومه.. ونحن نعارك إخوتنا العرب باحتواء مدارسنا لهم والفضل في ذلك لقيادتنا السامية بعد توفيق الله وتسديده لها نحو الخير والإعمار الذي لا يميز بين سعودي وغيره، ولا بين مسلم وغيره!
ط - زرع تفرقة تفضيلية بين التخصصات، حيث منها ما هو حفظ أصم لا يحتاج لتعب ولا تميز، ومنها ما هو فكري يحاج للتميز والتفوق الحقيقي!!!!
4- كان من مخاطر السخرية ما ورد في هذه العبارة:( وبقيت حاجة في النفس حول النتائج والترتيب، وهي أن كل الذين تفوقوا في القرآن الكريم سعوديون إلا واحد منهم، وهذا يعني -ولله الحمد- التوجه السليم لشبابنا، ويعني -ولله الحمد- أنهم ما زالوا على طريقة الحفظ والتلقين ويجيدونها بشكل قوي مما جعلهم يتفوقون في مادة القرآن الكريم!!
إن السخرية تعبث بفكر الإنسان، وتدخله متاهات هو في غنى عنها، وأمته كذلك، فما ضاقت الطرق والأساليب، لعرض الإشكال - ان كان هناك إشكال- بأسلوب هادئ، علمي، حواري، يحترم الوزارات، والمؤسسات، والمسئولين، والطلاب، وأولياء الأمور، وأظن أن الكاتب الكريم -وغيره ممن لهم الرأي ذاته- لو سأل أو تحرى عن اهتمام المسئولين في وزارة التربية والتعليم بهذه الظاهرة، لوجد انها لم تغب عنهم إطلاقاً، وانهم قاموا -جزاهم الله خيراً على هذا المثل الحسن- بالدراسات العلمية، والمراقبة، والتدقيق، والمراجعة حتى توصلوا الى الاقتناع بعدالتها ونزاهتها، فلكل مجتهد نصيب، سواء كان طالباً، أو مدرسة، أو مؤسسة.
واخيراً، قولة حق وإنصاف أختم بها نقاط هذا التعليق الذي لا أخاطب به شخص الكاتب، وإنما الأسلوب الذي يكتب به الكثيرون: ولله الحمد لا إله الا هو، لقد كنت إحدى اوائل الثانوية العامة على مركز الرياض سنة تخرجي، وما ظُلِمْتُ قدرَ درجة واحدة في تصحيح الوزارة لاوراق اختباراتنا، وكنتُ -للعلم وإتمام الشهادة- من مدرسة حكومية، أي ليست من مدارس الأثرياء التي يشترون بها مراتب الأولوية بالفلوس -كما يزعمون- ، وكنت أعمل لتوفير حاجيات قراءاتي الخارجية التي كنت شغوفة بها، فما كان لدى والدي -رحمه الله- بقرةً يسمنها، لتدر درجات على شهادتي، وكان دعم ادارة التوجيه التربوي بمنطقة الرياض نفسياً ومعنوياً من أروع الامور التي لا أنساها، ولم يكن لنا حوافز جوائز آنذاك أو غيره، وما أحتفظ به من شهادة التفوق الورقية الموقعة بقلم مدير عام تعليم البنات بمنطقة الرياض آنذاك د. عبدالله بن عبدالرحمن آل بشر -جزاه الله خيراً- أغلى من كل الجوائز، بل لقد تواصل تشجيع بعض المدرسات وبعض الموجهات التربويات بعد انتقالي للمرحلة الجامعية.. ولإتمام الشهادة لجهة أخرى تتعرض للتشكيك في أمانتها من جانب او آخر.. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الجامعة التي انهيت فيها الآن السنة التحضيرية للماجستير، بمرتبة (الأولى) على الطلاب والطالبات -بفضل من الله وتوفيقه- ما شهدت فيها هضماً لحق ابداً، او تقديماً لواسطات، او شراءً للدرجات والمراتب بفلوس تُقاس بكثرتها، أو أسماء أو جنسيات تقاس بشهرتها وثقلها.لقد كانت الأمانة في أداء الطالب الصادق، والأمانة في تقويم، وتدريس، وتوجيه، وتشجيع الأستاذ الصادق بتعاون رائع من قبل الموظفين الإداريين والموظفات جميعاً، وفوق ذلك رعاية وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، سعادة الدكتور: محمد بن عبدالرحمن الربيع، ومعالي مدير الجامعة، سعادة الأستاذ الدكتور: محمد بن سعد السالم -رعاهما الله تعالى- بما كان يزيد حماسة الطلاب من أنشطة غير منهجية، ومن تعميق للإحساس بالمسئولية التي احتضنت جريدة (الجزيرة) بعض فعالياتها بما جعلها مؤسسة إعلامية مساهمةً في تفعيل نُضج تحصيل الطلاب وارتقائه، وقد كانت رعاية سمو سيدي صاحب السمو الملكي الأمير: سلمان بن عبدالعزيز -رعاه الله- التي تحفّ الجامعة باستمرار حافزاً لنا في كل خفقة، ويوم، وامتحان، وبحث، وتقويم للذات وتطوير لها، لكي تكون درعاً صالحاً من دروع هذا البلد الإسلامي.ولنتذكر ان وطننا بحاجتنا: كلماتٍ طيّبة وكياناتٍ مُحِبَّة، فلا نجعل احرفنا اسنةً تُدمي قلبَه الحاني الرّطيب!
ولعلي اعقل ناصية كلماتي عند اقتراح آملُ نظر المسئولين فيه، وهو إنشاء جائزة للتفوق لاوائل الجامعات في مراحل البكالوريوس، والدبلوم، والماجستير، والدكتوراه، كي يتواصل تحصيل هؤلاء الطلبة، وينضم اليهم آخرون، ليصبح لنا باحثون جادون صادقون، لا يعتمدون على شراء الأبحاث والرسائل الجهازة، ولا يُسرفون في إمضاء الفرصة كيفما اتفق.. وليكون لنا -من بين فتياتهم وفتيانهم- مفكرين وأساتذة نفخر بهم على رؤوس الأشهاد..نفع الله بهذه الكلمات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(*)جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ماجستير - قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي
|