مَنْ هُمْ الإرهابيون: جمع واحدهم إرهابيّ، جاء في المعجم الوسيط: بأن هذا وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والتخويف، لتحقيق أهدافهم السياسية، ومن هذا التعريف انطباقه على الخوارج الذين قاتلوا علياً رضي الله عنه وكفّروا علماء وقادة المسلمين، وقد تاب منهم من أراد الله له الخير، وبقي على غيه من أراد الله له الشقاوة، وتاريخهم في الإسلام معروف ومرصود.
وما ذلك إلا ان بعض الناس يخطئ ولا يعترف بأنه مخطئ ويعمل أعمالاً يزكي بها نفسه، ويجهّل من يختلف معه في الرأي، وهذه طامة كبرى مع مخالفته أمر الله وأمر رسوله: بالترويع والقتل، والسرقة والاعتداء، والفساد وموالاة أعداء الله.
فهل يسلّم له بأنّ ما قام به يجب تحسينه، وانه غير قابل للنقاش والمجادلة: لا فكرياً ولا علمياً.
نعيد لذهن هذا المخطئ، ولأذهان من يوافقونهم على أعمالهم المشينة وفسادهم وترويعهم الآمنين، لعلّ نبضة من ايمان تعيد إليهم الصواب، فقد جمع حكيم أولاده الثلاثة ليختبرهم بهذا السؤال: بماذا تحكم على الناس؟ قال الأول: احتقرهم وأراهم في عيني كالذّر، وقال الثاني: احترمهم واتهيب من عواقبهم، وقال الثالث: أسبر أغوارهم، لأتعامل معهم حسبما تنطوي عليه عقولهم، فأعامل كل فرد بما يناسبه.
فأجابهم الاب قائلاً: الناس ينظرون اليكم بمثل ما تنظرون، وينزلونكم بمثل ما تنزلونهم، فاعرفوا مكانتكم عندهم بمكانتهم عندكم.
ولما كان سبحانه قد منح الإنسان عقلاً وأعطاه إدراكاً يوازن به بين الخير والشرّ، فما لذلك غير طريقين لا ثالث لهما: وكل منهما لابد أن يستند على قاعدة عقلية أو نقلية لأن الإنسان مسئول أمام الله عن تصرفاته وأعماله، ولا يعزر بالجهل، حتى يعمل ما يشاء. فالقاعدة العقلية: تأتي من تحكيم العقل السليم في الأمور لا العقل المنحرف، ولا السقيم الذي لا ثبات له ويدار بسهولة ومن دون روّية. والقاعدة النقلية: تقيدها النصوص الشرعية التي لا تقبل الجدل: عن الله وعن رسوله، وما فهمه العلماء المعتبرون من دلالة هذا النص. ولذا فإن العقل السليم، لا يتعارض ادراكه مع النقل الشرعي، بل يثبته ويرسخ قواعده، لأن ما جاء عن الله سبحانه او عن رسوله الكريم، فانه كامل لا نقص فيه ولا يصرفه عن مساره الصحيح الا عقل مريض.
ومن هنا ندرك لماذا كثر في القرآن الكريم مخاطبة العقل والدعوة للتفكير، وكذا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من توجيه بعدم الاضرار بالمسلم أو ترويعه، حتى ولو كان بالمزاح فضلاً عما يحصل من الارهابيين من اضرار بالمسلم في نفسه، أو ممتلكاته، واراقة لدمه بغير حق وتخويف للآمنين، وانتهاك لحرمات المستأمنين، مما يشوه صورة الإسلام، عند أمم الأرض بما يصادم أمر الله سبحانه في الدعوة: بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الصالحة : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (159) سورة آل عمران. لقد اعطوا بأعمالهم السيئة صورة قبيحة عن الإسلام، استغلها أعداء الإسلام ضده. ومعلوم ان قيادة الأمة في هذه البلاد بحمد الله تستمد من كتاب الله وسنة رسوله مسيرة عملها تطبيقاً وعملاً، وهذان المصدران هما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته في آخر حياته بحيث أوصى بالتمسك بهما، وان عدم التقيد بهما ما هو إلا طريق الضلال ومنهج البغي بغير الحق: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (77) سورة القصص، ويقول ابن عيينة: من فسد من عبادنا ففيه شبه باليهود. فماذا يريد هؤلاء غير الفوضى، وترك الأمة بلا قيادة، وهذا عين الجهل والسفاهة.. وشرع الله حدد القيادة في نوعين لا ثالث لهما: الأول: العلماء الذين فقههم الله في الدين وحمّلهم أمانة التبليغ.. والثاني: الأمراء والحكام والذين تولوا الأمور وحكمّوا شرع الله، وهم المعنيون بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء.
فالقيادة في دين الله من مهمة العلماء، والقيادة للبلاد وأمنها جعلها الله على أيدي الأمراء والحكام.. وقد اتفقت الأمة على هؤلاء وهؤلاء، فماذا يريد هؤلاء الأحداث المغرر بهم غير شق عصا الجماعة وتفريق الكلمة، ورسول الله يقول كما في صحيح مسلم: (من جاءكم وأمركم بينكم جميع يريد تفريق كلمتكم، وشق طاعتكم، فاقتلوه كائناً من كان) وفي رواية (فاضربوا عنقه). ومتى حصل اختلاف بالمفهوم في رأي أو وجهة نظر، فالفيصل في ذلك أمر الله وأمر رسوله وفق سنته: القولية والفعلية والتقريرية. حيث يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء، لأن الحكم لله وليس للبشر الذين يفتون بغير ما أنزل الله فيضِلون ويُضَلُّون.
ولذا نضع بعض الأسئلة، لعل الله ينير بصائركم، لتعرفوا الحق حقاً وترجعوا إليه، والباطل باطلاً فتبتعدوا عنه، نسائلكم بالله الذي يجب ان تضعوا الخوف منه أمام أعينكم، بأن تجيبوا بينكم وبين أنفسكم مراقبين له سبحانه في هذا:
- أليست تعاليم الإسلام تحرم قتل المسلم؟ فلماذا أقدمتهم على القتل مخالفين لآيات في سورة النساء، ومجترئين على الله الذي جعل من عقاب القتل العمد أربعة جزاءات عظيمة: {جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء.
- ما هو جواب من افتاكم بقتل الأبرياء، وهذا لا يشفع لكم، إذا تعلق بأعناقكم يوم القيامة أمام الله من سفكتم دمه، ليحاجكم عند ربكم في مساءلة من السبب ، ثم ليقتص الله حقه منكم، في ذلك الموقف الرهيب، والوفاء بالحسنات والسيئات فقط؟!
- ويأتي من نهبتم ماله: سيارته وحصيلة عمره سرقتموها منه بقوة السلاح، أو احرقتموها بأعمالكم الإرهابية، أو مالاً محصّناً تعديتم عليه، أو أعراضاً استبحتموها.. فبأي سبب عملتم هذا، ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع من حديث طويل: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) فما جوابكم، وبماذا تفادون أنفسكم من هذه الأعمال: إلا زيادة في السيئات تتحملون كما أخبر بذلك رسول الله؟
- ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم قتل الصبية والنساء والمدبرين والذين لم يقاتلوكم والعجائز، فما موقفكم وكل هؤلاء من خصومكم الملتجئين إلى الله ان ينصفهم منكم جزاء أفعالكم.. فما موقفكم وما حجتكم؟
- ثم انكم تكفرّون العلماء، وولاة الأمر، وكل من لا يتفق مع رأيكم المنحرف، فماذا تجيبون عندما تسألون في يوم البعث والنشور، والناس يقتص بعضهم من بعض، وقد تكاثر أمام الله خصومكم يقولون: يا رب سل هؤلاء، لماذا كفرونا، ولماذا خرجوا عن طاعة ولاة الأمر الذين يحكمون شريعته، ودستورهم القرآن الكريم ويشهدون لك بالوحدانية ويدعون لسبيلك بالحكمة والرفق.
- وأين أنتم بأعمالكم هذه وقد خلعتم بيعة السلطان، من قول رسول الله: (من مات وليس في عنقه بيعة لولي الأمر مات ميتة جاهلية)؟
- ولئن كنتم تدعوا الجهاد، فلماذا لم تقرأوا أحكام الجهاد في الإسلام، لتعرفوا شروطه ورابطته بولي الامر ومن الذي يرفع رايته ومتى؟
- ولما كانت الأحكام ليست بالهوى ورغبات النفوس، فلماذا خنتم ما اوجبته شريعة الاسلام لأهل الذمة المستأمنين ولم تراعوا العهود؟
- وهل غاب عمن يفتيكم حديث رسول الله الذي لعن فيه المتشبهين من الرجال بالنساء، وأنتم تلبسون ملابس النساء لتغدروا، فأوجبتم لعنة رسول الله؟
- انها اسئلة كثيرة حول تصرفاتكم وما تلقيتم من فتاوى وتعليمات كلها بعيدة عن تعاليم الإسلام، لا يتسع لها المجال، تدعو الاجابة الصحيحة، ممن في قلبه إيمان إلى مراجعة النفس والتوبة إلى الله، والبراءة من هذا العمل المشين، ومن تاب تاب الله عليه والله سبحانه يقبل التوبة من عباده مهما أسرفوا على أنفسهم، وهي فرصة أتاحها ولاة الأمر فاغتنموها حيث الزموا انفسهم بالمعاملة الحسنة لمن تاب.
الخوارج يقتلون علياً
قال ابن كثير: اجتمع ثلاثة من الخوارج وهم: عبدالرحمن بن ملحم، والبراك بن عبدالله، وعمرو بن بكر، فتذاكروا قتل علي لاخوانهم من أهل النهروان، فترحموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبكاء بعدهم؟ كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال، فقتلناهم، وأرحنا منهم البلاد، وأخذنا منهم ثأر اخواننا؟
فقال ابن ملجم: أمّا أنا فاكفيكم علي بن أبي طالب، وقال البراك: وأنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا وتواثقوا ألا ينكص رجل منهم عن صاحبه، حتى يقتله أويموت دونه.
فأخذوا أسيافهم، فسمّوها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان، أن يبيّت كل واحد منهم صاحبه في بلده، الذي هم بها، فأما ابن ملجم فسار إلى الكوفة، فدخلها وكتم أمره حتى عن أصحابه من الخوارج الذين بها، فبينما هو جالس في قوم من بني الرباب، يتذاكرون قتلاهم يوم النهروان، إذ أقبلت امرأة منهم يقال لها قطام بنت الشجنّة قد قتل علي يوم النهروان أباها وأخاها، وكانت فائقة الجمال، مشهورة به، وكانت قد انقطعت في المسجد الجامع تتعبد فيه، فلما رآها ابن ملجم سلبت عقله، ونسي حاجته التي جاء من أجلها، وخطبها إلى نفسها، فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم، وخادماً وقينة، وان يقتل لها علي بن أبي طالب، فتزوجها ودخل بها، ثم شرعت تحرضه على ذلك، وندبت له رجلاً من قومها، يقال له: وردان ليكون معه ردءاً واستمال ابن ملجم رجلا آخر يقال له: شبيب بن نجدة الأشجعي المحروريّ، قال له ابن ملجم: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: قتل عليّ، قال: كيف تقدر عليه؟ قال: اكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة، شددنا عليه فقتلناه، ثم قال: فإن قتلناه فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، فاقنع شبيب: بحجة انه قتل أهل النهروان اخواننا - وكلهم خوارج - فأجابه بعد لأي ودخل شهر رمضان، فواعد ابن ملجم أصحابه ليلة الجمعة لسبع عشرة منه، وقال: هذه الليلة التي واعدت أصحابي فيها: ان يثأروا لاخوانهم، فلما خرج علي وبدأ بايقاظ الناس للصلاة ضربه ابن ملجم بالسيف على رأسه فسال الدم على لحيته رضي الله عنه.. وقال ابن ملجم: لا حكم إلا حكم الله ليس لك يا عليّ، ولا لأصحابك.. فمات رضي الله عنه من تلك الضربة، وقتلوا ابن ملجم بسيفه الذي ضربه به علياً. (البداية والنهاية 7: 392).
فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أقرب حالة القوم من القوم، وفي هذا بلاغ، وفرصة لمن أراد التوبة، قبل فوات الأوان، والله غالب على أمره.
|