*استطلاع - صالح العيد:
يعد متحف صقر الجزيرة بمدينة الرياض من الصروح الشامخة والمعالم البارزة التي تحكي قصة الطيران والتطور التاريخي للقوات الجوية الملكية السعودية منذ نشأتها على يد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وتابع أبناؤه البررة من بعده استكمال المسيرة وحتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله -. وقد افتتح المتحف برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني في ذكرى المئوية عام 1419هـ ومن خلال ما يشاهد من معروضات ومراجع ووثائق تمكنهم من التعرف على التطور التاريخي للقوات الجوية كيف بدأ بعدة طائرات لا تتعدى اعدادها أصابع اليد الواحد إلى أن وصلت إلى المئات من أحدث وأقوى الطائرات في العالم وقد قسمت هذه الفترة التاريخية إلى (5) مراحل هي: مرحلة ما قبل التأسيس، مرحلة التأسيس، مرحلة التنمية، مرحلة التطوير، مرحلة التحديث، وقد انتهت أعمال المرحلة الأولى من إنشاء هذا المتحف التي اشتملت على صالات العرض الداخلية ومحتوياتها من الطائرات والأسلحة قديمة وحديثة إضافة إلى ركن الفضاء الذي يتضمن جهازاً تشبيهياً لرحلة فضائية إلى جانب أجهزة حاسب آلي تستخدم من قبل الزوار لزيادة معلوماتهم عن الطائرات وكذا مقصورات عرض أفلام وثائقية تاريخية أما ساحات العرض المكشوفة فتعرض بها بعض الطائرات بأحجامها الحقيقية إلى جانب المعدات كبيرة الحجم أما المراحل المستقبلية المكملة لهذا الصرح فتشتمل على بناء مسجد وقاعة للمؤتمرات وصالات عرض ومركز ثقافي مزود بشاشة عرض ثلاثية الأبعاد ومكتبة ومركز تعليمي وإضافة إلى مركز لصيانة الطائرات والمعدات المعروضة بالمتحف. ويؤكد الفريق عبدالعزيز بن محمد هنيدي قائد القوات الجوية الملكية السعودية صاحب فكرة هذا المتحف أن الزائر لهذا المعلم الحضاري (متحف صقر الجزيرة للطيران) الذي يضم بين جنباته التطور التاريخي لسلاح الطيران الملكي السعودي (القوات الجوية الملكية السعودية) على مدى خمسة وسبعين عاماً موثقاً بما احتواه من طائرات حقيقية ونماذج طائرات وصور ووثائق تدعو - لله الحمد والمنة - للفخر والاعتزاز، وكذلك كان للدعم الكبير من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز الفضل الأكبر بعد فضل الله في ظهور هذا الصرح الشامخ، وقد مرت القوات الجوية الملكية السعودية منذ تأسيسها بمراحل عديدة يجمعها متحف صقر الجزيرة الذي تم فتحه للجمهور في 17-9-1424هـ وهي:
****
مرحلة ما قبل التأسيس 1333 - 1344هـ (1914 - 1925م):
يعود ظهور الطائرات في سماء شبه الجزيرة العربية إلى عام 1333هـ الموافق 1914م إذ قامت إحدى الطائرات الإنجليزية بالتحليق فوق مدينة جدة وخلال عامي 1334 - 1335هـ الموافق 1916 - 1917م قامت بضع طائرات من سلاح الطيران البريطاني بعمليات هجومية لدعم حكومة الشريف ضد الأتراك خلال تلك المرحلة حلق الملازم أول طيار عربي عبدالسلام سرحان من أهالي مكة المكرمة في سماء مدينة جدة لمدة 20 دقيقة في يوم الأربعاء 25 شعبان 1341هـ الموافق 11 إبريل 1923م كما نجح الطيار حسن ناظر من أهالي المدينة المنورة بالتحليق في سماء مدينة جدة في 3 محرم 1343هـ الموافق 8 اغسطس 1924م وكان ذلك خلال حكم الأشراف لمنطقة الحجاز وفي عام 1343هـ الموافق 1924م واجهت قوات الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الطائرات للمرة الأولى خلال معركة الطائف إذ كانت طائرات الخصم تقوم بطلعات استكشاف فوق مواقع جيش الملك عبدالعزيز وكانت المرة الثانية خلال حصار جدة في عام 1344هـ الموافق 1925م حيث سقطت إحدى طائرات الخصم أثناء تحليقها في رحلة استطلاعية على جيش الملك عبدالعزيز وانفجرت الثانية في السماء نتيجة لخطأ في توصيل مشغل القنابل (الفيوز) التي كانت تحملها وغنمت قوات الملك عبدالعزيز رحمه الله ثماني طائرات منها ست من طراز (9 DH).
مرحلة التأسيس 1344 - 1373هـ (1925 - 1954م):
من 1344هـ الموافق 1925م إلى 1373هـ الموافق 1954م في 23- 6-1344 الموافق 1925م قبل توحيد المملكة صدر أمر ملكي بتأسيس قوة طيران باسم (قوة الطيران الحجازية النجدية) وانطلاقاً من اهتمام الملك عبدالعزيز بامتلاك قوة جوية تحمي سماء هذا الوطن قرر - رحمه الله - شراء أربع طائرات بريطانية الصنع من طراز (ويستلاند وابي مارك -2) ذات الجناحين والتي كانت من أحدث الطائرات المستخدمة آنذاك وذلك في 2 رجب 1348هـ الموافق 30 ديسمبر 1929م وأعد لها أول مطار في جزيرة (دارين) بالمنطقة الشرقية وفي عام 1349هـ الموافق 1930م انشئت أول مدرسة للطيران، ونظراً لكثرة الحوادث والصعوبات الفنية في الصيانة والحصول على قطع الغيار توقفت اعمال المدرسة، وفي تلك الفترة تكونت جمعية الطيران العربية في 5 شعبان 1349هـ الموافق 25 ديسمبر 1930م في مكة المكرمة وبدأت كل مدينة تجمع التبرعات لشراء الطائرات، وتشجيع الشباب على تعلم الطيران، حيث تم إيفاد أول بعثة من عشرة أفراد لتلقي فن الطيران في إيطاليا في 2 ذي الحجة 1353هـ الموافق 7 مارس 1935م فكانوا أول طيارين سعوديين يحصلون على شهادات دولية للطيران، وفي 29 ربيع الأول 1355هـ الموافق 18 يونيو 1936م افتتحت في جدة مدرسة لتعليم الطيران بإشراف المدرس الإيطالي النقيب (شيكو) وقام سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز في 28 ربيع الآخر 1355هـ الموافق 17 يوليو 1936م بزيارتها والوقوف على نشاطاتها وفي عام 1356هـ الموافق 1973م اسست (إدارة الطيران العربي السعودي) لمتابعة أعمال الطيران وكان مقرها مدينة جدة ولديها ست طائرات وعدد من الضباط الطيارين العسكريين، وفي رجب من عام 1364هـ الموافق يونيو 1945م طلب الملك عبدالعزيز رسمياً من الحكومة البريطانية عرضاً لتطوير وتدريب أطقم الطيران وبالفعل تم ابتعاث أول عشرة خريجين سعوديين (بعد أن تم تدريبهم في الطائف) إلى بريطانيا في شوال 1368هـ الموافق 1949م حيث استكملوا دراستهم بنجاح وتخرجوا في 8 جمادى الأولى عام 1372هـ الموافق يناير 1953م وأصبح مسمى الوزارة في 7-7-1371هـ الموافق 1 ابريل 1952م (وزارة الدفاع والطيران) كما تلقى الملك عبدالعزيز - رحمه الله - هدية من الرئيس الأمريكي (روزفلت) في عام 1364هـ الموافق 1945م عبارة عن طائرة من طراز (داكوتا - دوجلاس - دي سي 3) وأصبحت النواة الأولى للطيران المدني السعودي كما تطور التدريب الإداري في مجال الطيران بعد اتفاقية مطار الظهران (بين السعودية وأمريكا) حيث تم تسليم المطار بعد إنشائه إلى الحكومة السعودية في 2 جمادى الآخرة 1368هـ الموافق 31 مارس 1949م وفي 15 صفر 1372هـ الموافق 2 نوفمبر 1952م تم افتتاح منشآت مطار جدة والذي رعاه صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران آنذاك، حيث رفع أول علم لسلاح الطيران على سارية أول حظيرة للطائرات خصصت لسلاح الطيران في مطار جدة.
مرحلة التنمية: 1373 - 1382هـ (1954 - 1962م):
وفي عهد جلالة الملك سعود - رحمه الله -، شهد سلاح الطيران الملكي دعماً كبيراً حيث شكلت نواة أول مدرسة منظمة وناجحة لتعليم الطيارين والفنيين للعلوم الجوية الحديثة بمدينة جدة مع استمرار ابتعاث الطلبة لدراسة الطيران في الخارج حيث افتتحت مدرسة سلاح الطيران في 30 ربيع الآخر 1373ه الموافق 5 يناير 1954م كما تقرر تحويل مدرسة أعمال المطارات في مطار الظهران التي انشئت عام 1367ه الموافق 1948م إلى مدسة عسكرية تعنى بتدريس التخصصات الفنية التي يحتاجها السلاح وأطلق عليها عام 1374ه الموافق 1954م مدرسة سلاح الطيران الفنية، وفي هذه المرحلة تم تشكيل الأسراب الأولى في القوات الجوية حيث شكل السرب الأول المتنوع والمجموعة الأولى المتنوعة حيث تألف من طائرات نقل ومواصلات من طراز داكوتا، وسكاي ماستر، وطائرات تدريب متنوعة، وقاذفات من طراز (بي - 26) وطائرات نقل عسكري، كما تشكل سرب المواصلات في قاعدة جدة من طراز (داكوتا) و(سكاي ماستر - سي 54)، كما تم في عام 1377ه الموافق 1957م شراء طائرات من نوع (بروفايدر - سي 123) أما سرب القاذفات (بي - 26) فقد شكل نواة التكوين للسرب الثالث في قاعدة سلاح الطيران بجدة الذي عُرف بمسمى (سرب القاذفات)، واستكمالاً للجهود المبذولة لبناء سلاح الطيران وجعله قوة عصرية، فقد وقع الاختيار على المقاتلة النفاثة (دي هافيلاند فامباير) وتم شراء عشرين طائرة منها لتشكيل السرب الخامس، كما وافقت الولايات المتحدة على تزويد المملكة بطائرات من طراز (تي - 33) وبسرب من مقاتلات ال(إف - 86) وتوصلت الحكومة السعودية إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء مرفق تدريبي في مطار الظهران حيث تم تشكيل ما يعرف بوحدة تدريب القتال بمطار الظهران وبعد أن تأسست الأسراب المختصة أصبح لسلاح الطيران العديد من القواعد الجوية التي أهلته للانطلاق في مسارات التطوير والتحديث.
مرحلة التطوير: 1382 - 1402هـ (1962 - 1982م):
وتزامنت هذه المرحلة مع تعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع والطيران ومفتشاً عاماً في 3 جمادى الآخرة 1382ه الموافق 31 أكتوبر 1962م حيث وجّه بوضع الخطط والبرامج والمقترحات الكفيلة لتطوير وتنمية القوات المسلحة بكافة فروعها، وبدأ سلاح الطيران بعد انتقاله إلى الرياض وتعديل مسماه من مديرية الطيران بجدة إلى سلاح الطيران الملكي السعودي بعد فصل الطيران المدني عنه بتقديم المقاتلات النفاثة حيث تم توقيع عقد مشروع طائرات (اللايتنج) الاعتراضية مع الحكومة البريطانية، وشمل المشروع شراء بعض الطائرات الأخرى مثل ال(هنتر)، وكذلك بعض الرادارات وصواريخ أرض - جو، والتدريب والصيانة والتموين وعمل بعض المنشآت الأساسية، وفي عام 1386ه أيضاً دخلت الخدمة طائرة (سي 130) للنقل التكتيكي ودعم العمليات البرية، كما تم شراء طائرات من طراز (جيت ستار) لنقل كبار المسؤولين والقادة وتدريب أطقم الطيران، وفي عام 1386ه الموافق 1966م حصل سلاح الطيران على عدد من طائرات (الويت 3) للقيام بمهام البحث والإنقاذ وكانت هي الانطلاقة لتأسيس الطيران العمودي، ومن أجل تطوير منشآت التعليم والتدريب الأكاديمي فقد تأسست كلية الملك فيصل الجوية في عام 1387ه الموافق 1968م بطائرات التدريب من طراز (السسنا) وطائرات (الباك 167)، في عام 1392ه الموافق 1972م تم وضع نواة أول مشروع رئيسي مشترك بين حكومتي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وهو مشروع (صقر السلام) للحصول على طائرات ال(ف - 5) المتعددة المهام والذي يهدف أساساً إلى تطوير قدرات سلاح الطيران القتالية والهجومية والتدريبية والاستطلاعية، وفي جمادى الآخرة عام 1393ه يوليو 1973م صدر الأمر الملكي رقم 2878-3 بتعديل مسمى سلاح الطيران الملكي السعودي إلى القوات الجوية الملكية السعودية، وشهد عام 1397ه الموافق 1977م بداية مشروع (شمس السلام) لطائرات (إف - 15) الاعتراضية المقاتلة، واشتمل المشروع أيضاً على عقود صيانة وتموين وتدريب وعمل بعض المنشآت المساندة.
مرحلة التحديث: 1402هـ (1982م):
وبدأت هذه المرحلة مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - الحكم حيث كانت القوات الجوية قد استكملت استيعابها لمنظومات السلاح الحديث، وقطعت شوطاً كبيراً في مجال التدريب، وفي عام 1405ه الموافق 1985م كانت بداية مشروع (درع السلام) الذي تضمن تأمين وتجهيز رادارات أرضية وشبكات اتصالات ومركز عمليات على مستوى المملكة ومرتبطة مع بعضها البعض فيما عُرف بنظام القيادة والسيطرة والاتصالات كما تمكنت المملكة من الحصول على طائرات الإنذار المبكر من طراز (أيواكس) وطائرات التزود بالوقود جواً، وتم توقيع عقد مشروع (اليمامة) في عام 1406ه 1985م توفرت للقوات الجوية أسراب من طائرات (التورنيدو) بنوعيها: الهجومية والدفاعية، وطائرات (هوك ت - 65) للتدريب المتقدم، طائرات (بيلاتوس بي سي 9) وتم افتتاح منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات في 20 محرم 1417ه، كما تم ولأول مرة في المملكة تنفيذ برامج العمرة (صيانة الطائرات) للطائرات المقاتلة، ومن خلال حرب تحرير الكويت حققت القوات الجوية نجاحاً عملياً مميزاً كقوة استراتيجية عملت بندية وكفاءة مع مثيلاتها من القوات الجوية العالمية، وافتتحت القوات الجوية احتفالات المملكة بذكرى مرور مائة عام على فتح مدينة الرياض بعرض جوي كبير شاركت فيه (160) طائرة من مختلف الأنواع، وظهر فيه لأول مرة سرب الاستعراضات الجوية السعودي (سرب الصقور السعودية) وقد رعى خادم الحرمين الشريفين الحفل وذلك في صباح يوم الأحد 7- 10-1419ه الموافق 24-1-1999م على أرض متحف الجزيرة وحضره أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي الوزراء وعدد كبير من المواطنين.
|