أطفالنا في خطر، ونحن كأهل وليسوا هم، المسؤولون عن ذلك، فعندما يكونوا هم المنحرفين نكون نحن المسببين لذلك والدافعين له وعندما يكونوا هم المجرمين نكون نحن المخططين عن سابق تصور وتصميم وقصد، مهما حاولنا تبرئة أنفسنا، وإذا كانوا من المبشرين بالغد المشرق لهم ولمحيطهم لمجتمعهم، نصبح نحن من المعتزين بما أعددنا وربينا وسهرنا الليالي الطوال في سبيل ذلك ، والشاعر العظيم يعكس واقعنا في مثل هذه الحالة حين قال:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها
أعددت شعبناً طيب الأعراق
وما دفعني للكتابة عن أطفالنا فلذات أكبادنا، ما نراه من تصرفات سلوكية خارجة عن حدود الأدب، والأعراف والتقاليد، وكذلك بعض الأمور ومنها:
أن بعض الأهالي ولعل معظمهم درجوا على عادة تصفح الصحف اليومية والتوقف عند بعض الموضوعات والأخبار التي (تهمهم) هم ، ولوحظ أنهم كلما وصلوا إلى موضوع حول مؤتمر للأطفال أو خبر عنهم أو يتعلق بمشكلاتهم ومدرستهم يتجاوزون المساحة المكتوبة باعتبار أن المكتوب يهم الأطفال ولا يهمهم هم!
ولاحظتُ أن المصائب التي تحل بالصغار يكون مصدرها الكبار، ومن الكبار الخانة الأوسع للأهل، فهذه رسائل لاعدَّ لها ولا إحصاء تصل إلى أبواب المشكلات النفسية في المجلات والصحف العربية والمحلية وتتضمن أسماء مستعارة خوفاً أو تستراً من الفضائح والوقائع
ويشكو أصحابها من أثمان باهظة يدفعونها نتيجة أخطاء ذويهم وأهليهم بالإضافة إلى ما نقرأه من مشكلات الأولاد سواء: العناد، الدلع، التدخين، السرقة، التعدي على الآخرين بالضرب أو بالكلام اللاذع، أذية الجيران ،التفحيط ، كسر السيارات، أو ضرب المعلمين والتطاول عليهم،. وغير ذلك مما يحزُّ في النفس ويؤلمها.
والأكثر ألماً ، ترك الأولاد حتى منتصف الليل في الشوارع مع رفاق السوء يتناولون الممنوعات من تدخين ومخدرات وغيرها،. وما ترك جروحاً غائرة في النفس والروح حقاً أن أحد الآباء استغرب سهر ابنه في إحدى غرف البيت حتى ساعة متأخرة من الليل وعلم من والدته أنه يذاكر لإجراء الاختبار،فارتاح قليلاً ولكن أبتْ نفسه إلاّ أن يلقي نظرة على ابنه قبل ذهابه إلى النوم وفوجئ عند فتحه باب الغرفة بأن ابنه يشاهد (فيلماً جنسياً) فصعق الأب وبدأ يضرب ابنه ضرباً مبرحاً، وإذا بالطفل يقول: وهو في السنة الرابعة الابتدائية: إنه أخذ الفيلم من زميله في المدرسة وهنا وقفت كثيراً: أين مسؤولية المدرسين والمرشد الطلابي والإدارة المدرسية؟ من ناحية
وأين عيون الأم والأب؟ من ناحية ثانية، وأين اساسيات التربية التي نزرعها في نفوس اطفالنا ، أكبادنا التي تمشي على الأرض منذ نعومة أظفارهم، بأن هذا صحيح وذاك خطأ، وأن هذا حلال وذلك حرام وأن هذا جيد وذلك عيب ؟
تأثرت كثيراً وجرحت حقاً في الصميم وكأن هؤلاء الاطفال الأبرياء تلك العجينة اللينة التي نشكلها حسبما نريد وكيفما نشاء ، كأنهم أبنائي حقاً ولا أبالغ في ذلك أبداً .
أما ما يجعلني أشمئز وأحتقر أعمال وتصرفات البعض هو ما تطالعني به الصحف اليومية من تصرفات بعض الأمهات والآباء بقسوة بالغة لفلذات أكبادهم مثل: أب يبيع أطفاله ليشتري المخدرات، أب يقتل زوجته وأولاده ونفسه لأنه لا يملك إطعامهم، أم تقتل طفليها وتلقي بهما بعيداً من أجل رجل آخر تزوجته ، أم تبيع طفلها الوحيد من أجل المخدرات، أم تضرب طفلها ضرباً مبرحاً حتى الموت، أب يفقد السيطرة ويضرب ابنه بالسوط حتى الموت، أب يحرم الأم من أطفالها ويعذبها لأنها تزوجت بآخر بعد طلاقها منه، أب يقول لابنه: أمك ماتت وهي لا تزال تعيش في مكان آخر وبلدٍ آخر، أم تقتل طفلتها المولودة خوفاً من تعرضها للضرب على يد زوجها لإنجابها طفلةً ثانية كون الأب يريد طفلاً ذكراً وقد هددها بالضرب قبل ذهابها للولادة.
فهذه المصاعب والمصائب التي تحصل لأطفالنا الصغار وتودي بحياتهم يكون وراءها الكبار، كم من ظلم وبهتان، كم من الأطفال بحاجة إلينا، كم يحتاجون رعايتنا وحمايتنا وإرشاداتنا وتربيتهم التربية الصحيحة الحقة التي سنُسأل عنها يوم القيامة.
هذا ،عدا ترك الأطفال الصغار بين أيدي الخادمات، أو تركهم وحدهم في المنزل يتعرضون للأذى، والتزلق أو الحروق أو الخوف، أو نتركهم في المسابح فيغرقون ووقتها لا ينفع الندم.
كما يصيبني اليأس والقهر والحزن وأنا أسمع أو أقرأ أو أعيش إحدى هذه الصور المأساوية الحقيقية التي تقع يومياً على أطفالنا الأحباء.
فنحن آباء وأمهات، مربين ومسؤولين ، مدرسين ومعلمين، مسؤولون مسؤولية كاملة أمام الله أولاً ثم أمام أنفسنا ثانياً، وأمام اطفالنا ثالثاً، مسؤولون عن هؤلاء البراعم الواعدة، أطفال اليوم ورجال المستقبل.
رجاءً خاصا أيها الآباء والأمهات، أيها المربون لا تسيئوا للاطفال، ولا تهملوهم، بل أعطوهم حقهم في الرعاية والحماية والتربية والتعليم والتهذيب وكونوا قدوة صالحة لهم في كل تصرف، وفي كل سلوك وفي كل لفظ، فهم يقلدوننا في كل شيء، إنهم فرحنا، ابتسامتنا. طفولتنا، إنهم عصافير بيوتنا، ونشوة شبابنا، إنهم براعمنا الواعدة، فلنحول الليمون الحامض إلى شراب لذيذٍ نسقيه لهم، كم نحن ظالمون حينما نمارس طغياناً كبيراً على أولادنا عندما نزج بهم في خلافاتنا الأسرية، وكم نحن ظالمون حين لا نحترم بعضنا البعض امامهم، ويتبارى كل واحد منا في شتم وضرب وقهر والاستهزاء بالطرف الآخر أمامهم ، كم نستبيح طفولتهم بهذه التصرفات الحمقاء، وكم نسيء اليهم وهم فلذات أكبادنا
(في حرب الكبار شو ذنب الطفولة، الضحكات الخجولة).
وكم نقسو عليهم ايضاً حين ندللهم كثيراً ونعطيهم كل شيء ولا نقول لهم: لا. اطلاقاً فبهذا نعلمهم الأخذ فقط لأننا نلبي كل طلباتهم ورغباتهم دون حذر، ودون حدود فنعرضهم بذلك عندما يكبرون إلى الاعتماد على الآخرين كلياً وإلى عدم تحمل المسؤولية اطلاقاً، إذن لابد من الخط الأحمر.
أرأيتم كم نحن ظالمون وقاسين وغير معتدلين في تعاملنا مع اطفالنا.
فعلينا أن نزرع الثقة في نفوسهم، أن نعودهم على التقشف قليلاً.
فرجاءً أخوتي وأخواتي.
رجاءً مصحوباً بالأمل والتوسل، ليس عيباً أو إقلالاً من شأني ككاتبة أن أتوسل إليكم أن ترحموا هؤلاء الاطفال الكبار، وأن تعطوهم حقهم من التربية والاخلاص والتوجيه والتعليم، أن تحافظوا على حقوقهم التي أقرها ديننا الإسلامي الحنيف، وأن تضعوا نصب أعينكم أننا سنُسأل يوم القيام عنهم أمام الخالق العظيم.
هؤلاء الاطفال كم نحبهم، وكم يحتاجون لخبراتنا، لطاقاتنا، لعطائنا، لإرشاداتنا ومن هذا المنطلق لابد أن نهتم بهم، نعم نشكلهم بأيدينا أحسن تشكيل فهم الصفحة البيضاء النقية ونحن ننقش عليها ما نراه صالحاً ومفيداً لهم.
وبعد،.
فلنغذي الأطفال غذاء المحبة والاحترام والعطاء والوفاء بالوعود والعهد والإخلاص والصدق والأمانة ولنعلمهم الصحيح من الخطأ، والصواب من العيب ، فلنغذيهم بحب الآخرين واحترام الكبير والعطف على الصغير ومساعدة الضرير، واعطاء الفقير والابتسامة في وجه الآخرين ، فلنغذيهم بحبهم لدينهم، لوطنهم، لأهلهم لجيرانهم، لأنفسهم، لممتلكاتهم وممتلكات الآخرين وممتلكات الوطن ، فلنغذيهم تغذية كاملة لا نقصان فيها فهم ضحكاتنا وفرحتنا وعصافيرنا المغردة.
لحظة دفء
حقا إن جذور التربية مريرة
ولكن مؤكد أن ثمارها حلوة ولذيذة
فرغم صعاب الطريق، ورغم أشواكها، ورغم عمق المحيط وضوضاء الحريق، عندما ندغدغهم ونلاعبهم ونلاطفهم ونعلمهم تضيع منا مشقات الطريق ونغزل من تغاريد الصوت إكليلاً يرتوي بدمعات النجوم
أيها المربون،
إنكم صمت، وإنكم صوت
إنكم موت، وإنكم ركض
إنكم شوك، وإنكم فل وورد
إنكم غيم، وانكم طل
إنكم خصب، وانكم قحل
إنكم وعر، وانكم سهل
إنكم بحر، وإنكم رمل
إنكم شمس، وإنكم ظل
إنكم جزء، وإنكم كل
إنكم سيف، وإنكم سوط
إنكم شوط، وإنكم عمر |
فلنتعاهد معاً ونتصافح حتى لا يُفترس الأبناء.
للتواصل تليفاكس: 2317743
ص. ب 40799 الرياض 11511 |