* دمشق - الجزيرة:
زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى بكين تحمل بعدا اقتصاديا واضحا. فسياسة الولايات المتحدة لم تستطع حتى اليوم فرض عزلة على دمشق. وحتى عرقلة توقيع اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لم تؤد إلى تدهور في علاقات دمشق الثنائية مع الدول الأوروبية.
ووفق هذه الصورة فإن الصين تبدو شريكا مستقبليا لسورية، على الأخص مع زيادة معدلات النمو في الصين، وقدرتها على رسم آفاق ضمن النظام العالمي الذي يحكمه حتى الآن سياسة القطب الواحد.
يبدو ان المشكلة التي تؤرق دمشق هي علاقة الوضع السياسي العام مع مشكلة التنمية، فالقرار السوري بالإصلاح واجه واقعا سياسيا متشابكا على الأخص منذ الاحتلال الأمريكي للعراق. حيث تتابعت التوترات السياسية بين دمشق وواشنطن، كما تمت إضافة بنود لمسألة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تتعلق أساسا بأسلحة الدمار الشامل. وبذلك وجدت دمشق أن مستقبل تعاونها السياسي والاقتصادي باتجاه أوروبا والولايات المتحدة يمر عبر مسار قلق وحساس. وهو ما دفعها إلى تطوير مسألة العلاقة مع الشرق الأقصى، والاستفادة من التجارب السياسية والاقتصادية لهذه الدول. عمليا فإن التجربة الصينية تبدو مشجعة ليس لسورية فقط، بل للكثير من الدول التي بدأت تدخل عمليات إصلاح في اقتصادها. فالصين في تجربتها التي بدأت في أواخر عقد السبعينيات حققت نجاحاً، ورغم التقلبات السياسية الحادة التي شهدها العالم في العقدين الماضيين، إلا ان هذه التجربة واصلت تحقيق النجاح، فتمكنت من تجاوز جميع الأزمات التي عصفت بالدول الأخرى. سواء الأزمات التي عصفت بنمور آسيان وما يعرف بدول التحول الأخرى مثل روسيا، أو دول أمريكا اللاتينية التي تعرف بدول الأسواق الناشئة. أو الدول المتقدمة التي تعاني من ركود اقتصادي شديد بلغ أحيانا درجة الانكماش، واستمر في اليابان لمدة تزيد على أكثر من خمسة عشر عاما، وفي أوروبا وأمريكا الشمالية، منذ عام 2000 وحتى الآن.
فالصين لم يقل معدل النمو فيها عن متوسط 9% سنوياً منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى الآن. وهي اليوم منهمكة في توفير مستلزمات النمو المتصاعد لاقتصادها، وخصوصا مده بالطاقة، حيث زاد استهلاكها العام الماضي وحده 37% لتغطية احتياجات التوسع الكبير في اقتصادها، ومعنية بإبطاء معدل نموها السريع لإطالة أمد هذا النمو. والصين تختلف عن كل تجارب التنمية الأخرى التي شهدها العالم منذ مطلع القرن العشرين بأمرين أساسيين:
الأول، السرعة القياسية في تحقيق تقدم نقل الصين من بين أفقر البلدان وأكثرها تخلفاً إلى مصاف الدول الاقتصادية الكبرى، حيث يتوقع البعض أن تتحول الصين في غضون أقل من خمسة عشر عاماً إلى أكبر اقتصاد عالمي، وسوف تتجاوز الولايات المتحدة. بل إن بعض الخبراء يؤكدون أن إجمالي الناتج الصيني الآن إذا قوم بناء على القيمة الفعلية له بالاقتصاد الأميركي محذوفا من الأخير الأصول الأجنبية، فإن إجمالي الناتج الصيني بات يوازي حوالي 80% من إجمالي الناتج العام للولايات المتحدة، وحققت الصين هذه النهضة الاقتصادية في غضون ربع قرن فقط.
الثاني، إن هذا الازدهار تحقق دون المرور بالمراحل التي مرت بها الرأسماليات في الدول المتقدمة، وتمكنت الصين من نقل 400 مليون نسمة من تحت خط الفقر إلى مصاف الطبقة الوسطى.
وفق هذه الرؤية للتجربة الصينية يمكن قراءة زيارة الرئيس السوري إلى بكين، فالمصادر الصينية تعتبر الزيارة أساسية في علاقات البلدين؛ كونها الأولى لرئيس سوري إلى هذا العملاق الاقتصادي والعسكري الذي لم يقابل بالاهتمام اللازم من قبل العرب. والزيارة التي تأتي في الذكرى الثامنة والأربعين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين (العام 1956)، كما تتزامن مع قيام الرئيس السوري بخطوات دبلوماسية واسعة. ويعتبر السوريون تجربة الصين فريدة من نوعها من حيث انفتاحها واندفاعها الاقتصادي، على حد وصف أحد المصادر التي شاركت في رحلات رسمية إلى بكين، حيث تعمل الصين على التحديث والعصرنة، ولكن بحكمة الشرق وليس بالطيش الغربي.
|