الرسالة الأولى
أرسلها عبر الجزيرة إلى القيادة السياسية لهذا الوطن التي فتحت الضوء الأخضر لبدء الحوار الوطني وعقد اللقاءات بين مختلف الأطياف الوطنية على بساط من التسامح والحرية بمبادرة سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز. مما نرجو له أن يزدهر ويعم ويساهم في رفع الغمة عن الوطن وأبنائه من عمق صحرائه إلى أطراف مائه.
فهذه المبادرة الشجاعة تمهد وتبرهن أننا شعب آهل قادر على تحمل مسؤولية المطالب الاجتماعية والوطنية وأننا دولة آهلة قادرة على التجاوب مع متطلبات تطوير المجتمع المدني وعلى مشاركة مواطنيها في تحمل تحديات الحاضر وصياغة تصورات المستقبل. ومما يميز القيادة في موقفها من الحوار هو أنها أرادته وكما أكَّد الأمير عبد الله في مناسبة اللقاء الأخيرة أن يكون حواراً بين مختلف ألوان الطيف الاجتماعي وخلفياته الثقافية وجهاً لوجه وبشكل مباشر وشفاف دون تدخل من الدولة في الحد من سقف الحوار. كما أرادته أن يتم بدرجة من الحياد الرسمي الذي لا يأخذ جانب طرف على حساب طرف آخر ولا يناصر أو ينتصر لطرف دون الآخر. ونحن إذ نثمِّن هذا الموقف الذي يعبِّر عن تجربة رائدة، حيث لأول مرة تقوم دولة عربية بدعوة جميع قواها الاجتماعية على تعدد مشاربهم إلى مائدة الحوار فإننا نرى أن أحد أهم أدوات الدولة في هذه اللحظة لدعم هذه المبادرة المباركة للحوار الوطني هو التمسك بالموقف العادل الذي لمسناه من ولي العهد في حق الحوار لجميع الأطراف على قدم المساواة. إن أحد أهم أسباب تعزيز مشاعر الهوية والانتماء هو التمتع بحق المشاركة في شؤون الوطن وشجونه في السراء والضراء على حد سواء ليظل وطناً شامخاً شموخ النخيل لا ينحني في مواجهة التحديات إلا لوجه الرحمن.
الرسالة الثانية
أرسلها إلى فضيلة علمائنا الأجلاء من حضور الحوار للقاء الثالث في حقوق المرأة وواجباتها.
فعلى عكس الانطباع السائد في الخارج بشكل موسع وفي الداخل إلى حد - ما - بأن موقف الشيوخ من علماء الدين هو موقف متشدد من مفهوم الحوار وبأنه موقف قد لا يتسم بالتسامح والتفهم عندما يتصل موضوع الحوار بقضية المرأة كان موقف عدد من العلماء الأجلاء من حضور الحوار ومنهم فضيلة الشيخ .... الحصين والشيخ... المطلق والشيخ... المنيع. فقد كانت مواقفهم من مسألة الحوار ومن مسألة المرأة حقوقها وواجباتها في إطار الشريعة الإسلامية أجمل مفاجآت الحوار. وإنني أشعر أنها أمانة في عنق كل من حضر الحوار أن يصدق مجتمعه والمجتمع الخارجي في الإشارة إلى تلك الصورة المشرقة التي هي على خلاف تلك الصورة النمطية التي تخلع عادة وخصوصاً في الإعلام الخارجي على شيوخ الدين في المجتمع السعودي سمات الانغلاق والغمط لحقوق النساء. فقد لمس العدد الكبير من النساء المشاركات في الحوار لمس اليد مدى الإنصاف والمؤازرة التي حظيت بها قضية المرأة، بل إن مواقفهم تشكِّل في رأيي مثلاً يجب أن يطلع عليه الآباء والأزواج والإخوة وعموم الشباب من حيث سعة أفقه وغزارة معرفته فيما يخص التمييز بين ما قد يضيع حقوق المرأة ويحرمها أهلية أداء الواجبات الأسرية والوطنية من عادات وتقاليد وسواها من محددات أو سلطات اجتماعية قامعة وبين أحكام الشريعة التي تكفل لها الحقوق والواجبات كإنسان عاقل حر بالغ ورشيد يشارك في حمل أمانة عمارة الأرض. وأذكر على سبيل المثال بعضاً ممن ساهموا به في إزالة اللبس حول عدد من القضايا الخاصة بالنساء. ففي مسألة حق المرأة في أن تملك أمر نفسها في قرار الزواج أعطوا أمثلة على عدد من الحالات الاجتماعية في عضل النساء أو إنكار هذا الحق على البنات والأخوات من قِبل الآباء ومخالفة مثل هذا الموقف المجحف في حق المرأة للحكم الشرعي. وفي مسألة قيادة المرأة للسيارة لم يفعلوا كما يجترئ أحياناً بعض المتعالمين برده إلى أسباب شرعية ليست في أصل الشرع، بل إنهم امتلكوا الجرأة في الحق لتفنيد موانعه الاجتماعية ليس إلا. وعدا عن الدور الذي لعبوه في امتصاص حدة الحوار في بعض الجلسات فقد كان لهم دور مستنير في إقرار عدد من التوصيات. ومن ذلك التوصية بوجود محاكم شرعية تختص بالنظر في القضايا الأسرية. ووضع وثيقة تحدد الواجبات والحقوق الشرعية وتوصية حق وواجب المرأة في آن للمشاركة في الشأن العام. وبما أن المشاركات في الحوار لسن إلا عينة صغيرة من القطاع النسائي العريض في المجتمع فإنني أتوجه لفضيلة المشايخ ممن حضروا الحوار من خلال مواقعهم الوظيفية والرمزية في المجتمع بالعمل على تعميم الاطلاع مع سواهم من العلماء عما وقفوا عليه من آراء ومطالب النساء المشروعة سواء في التعليم أو العمل أو داخل الأسرة والمجتمع، وبتعميم تلك الصورة الإيجابية التي لمسنا أنهم لمسوها بما يعزز صورة المرأة السعودية كإنسان كفؤ للثقة ولتحمل المسؤولية سواء ممن كنَّ داخل أو خارج أروقة الحوار. والعمل على مؤازرة تلك المطالب الشرعية الكفيلة بالإصلاح والتطوير المبني على هويتنا الحضارية العربية الإسلامية وعلى التمسك بوحدتنا الوطنية وعلى الاعتصام بحبل الله.
الرسالة الثالثة
أبعث بها إلى مركز الحوار الوطني:
فأسمح لنفسي أن استهل هذه الرسالة بأن أوجِّه تحية لكل الذين عملوا كخلية نحل واستعاروا من وقت راحتهم وأسرهم ساعات وساعات ليواصلوا عمل النهار لإنجاز الإجراءات التحضيرية الخاصة باللقاء الثالث للحوار. وإذا كنا نخص منهم معالي الشيخ... الحصين والأستاذ فيصل المعمر فإن ذلك لا يغفل حق ذلك الحشد النشط من الذين وقفوا خلف هذا الإنجاز رجالاً ونساءً. ومنهم اللجنة الاستشارية التحضيرية النسائية واللجان المؤازرة الأخرى. غير أن هناك بعضاً من الملاحظات التي لن أتحرج من ذكرها بدافع الحرص على تطور العمل في هذا المركز والتعلُّم من التجربة. ومن ذلك:
* يبدو لي أنه لا يزال هناك التباس في طبيعة عمل مركز الحوار. فهل هو مؤسسة تشكل مجرد أرضية للحوار أو أنه يمكن أن يكون حلقة وصل شورية بين المجتمع بمختلف أطيافه وبين صاحب القرار. هل طبيعة عمله استشارية أو شورية. هل يحتمل دوره أن يكون له صلاحيات تشريعية أو توجه تنفيذي؟ إلى هذه اللحظة لا يبدو أن هناك تعريفاً واضحاً في ذهن المتلقي على الأقل لأي من هذه المهام. وقد ظهر مثل عدم الوضوح هذا بادياً للعيان في النقاش المتعلق بالتوصيات الختامية. كما بدا ذلك واضحاً في التساؤلات التي كانت تُثار في الشارع السعودي عما هو الناتج العملي من لقاءات الحوار الوطني. ومع أنني شخصياً أرى أن وجود مركز الحوار الوطني كإطار للتحاور والتباحث بحد ذاته بين مختلف الأطراف الوطنية وظيفة ليست سهلة، فإن سؤال ما هي طبيعة وظيفة ودور عمل مركز الحوار الوطني سؤال كثيراً ما يتردد ولا أظن البحث فيه إلا عملاً مشروعاً.
* أتوقع أنه بعد تجربة اللقاء الثالث وخاصة ما عاناه أ. محمد الشويعر في ملاحقة البحوث لا بد أنه أوجد رصيداً من الخبرة بأن عمل البحوث وخاصة إذا أردناها بحوثاً ميدانية تلامس الواقع وتنبع منه وينطلق الحوار فيها عن معرفة تحليلية بالتفاصيل وليس بمجرد العموميات يحتاج إلى فسحة كافية من الوقت يتفرغ فيه الباحث - الباحثة لمثل هذه المهمة البحثية.
* مع التقدير للقفزة النوعية في تناصف مهام البحث والمشاركة بين النساء والرجال في هذا اللقاء عما سبقه فلا بد من البحث في آليات توسع دائرة المشاركة في الحوار بحيث لا تقتصر المشاركة فيه على النخب الأكاديمية أو سواها، بل تكون مشاركة تمثِّل القطاعات العريضة من المجتمع.
* من الملاحظ من متابعة اللقاءات الثلاثة الماضية للحوار محدودية الاستخدام لآلية التصويت داخل الجلسات وإن بدت الحاجة إلى ذلك. وأعتقد أن تجريب وتعلُّم العمل بهذه الآلية ضروري لترجيح كفة الأغلبية ومعرفة بوصلة التوجه العام خاصة في المحافل الحوارية التي تتعدد فيها الاتجاهات والمواقف والآراء.
الرسالة الرابعة
هذه الرسالة أوجهها إلى من شاركوا في الحوار فلعل فيها بعض الإضاءة للمشاركين في الحوارات القادمة. لقد كان من أهم حصاد اللقاء الثالث للحوار الوطني في رأيي أنه كسر الحاجز الوهمي والحقيقي معاً مما كان يحول دون التقاء هذا العدد المتنوِّع من الشركاء في حب الوطن وإن اختلفت أساليبهم (السلمية) في التعبير عن هذا الحب. وإن كان ليس من الواقعي توقع أن تتوصل هذه اللقاءات بين يوم وليلة إلى تجسير تلك الفجوة بين الفرقاء في مجتمع كان يميل إلى التستر على التعدد والاختلاف فإن هذه اللقاءات ومما أيضاً بدت بوادره في اللقاء الأخير هي خطوة أولى لوضع اليد على مساحات من المشتركات التي كان كل ينكرها كل على الآخر بتوهم أنه وحده من يملك الحقيقة المطلقة. وفي هذا لا بد من التناصح لإصلاح مسار محاولات البعض عن قصد أو عن جهالة الاستقواء في الحوار لا بالمنطق ومقارعة الحجة بالحجة كما تفرض أبجديات الحوار وأخلاقياته، بل ببعض السلطات السائدة اجتماعياً كسلطة العرف أو سلطة النوع أو سلطة المقبول أو سلطة التوقعات أو سواها من سلطات لا يعمل استحضار أي منها إلا على كهربة أجواء الحوار. هذا إذا لم يؤد بالبعض إما إلى التزام الصمت والانسحاب المعنوي من الحوار أو إلى التشنج في المواقف بدل تقارب وجهات النظر أو إلى المبالغة في الحيطة والحذر والمهادنة على حساب الحوار نفسه الذي لا تقوم له قائمة بدون أن يؤسس على أرضية من الشعور بالأمان والثقة المتبادلة. كما لا يتطور بدون أن يكون من دعاماته التسامح بما يصحح حالة التعصب، المصارحة بما يرد الاعتبار لفضيلة الجرأة الأدبية في الحق والمصالحة التي لا تقوم على تلفيق المواقف أو الموافقة أو التطابق، بل تقوم على التقارب والاعتراف برحمة التعدد والاختلاف. فلا ينفي طرف طرفاً آخر رغم تمثيله في الحوار لمجرد عدم تماثل الطروحات بخطاب قد لا يخلو من التخويف أو المزايدات أو مجرد الرغبة في التسفيه أو إثارة المهاترات. ومن الملاحظ أن مثل هذه الآفات من آفات الحوار لا تحدث من طرف دون آخر، بل إنها تمارس من البعض في حق البعض من جميع الأطراف مما يعني أننا بحاجة دون استثناء لتعلم أن الحوار هو حق الجميع في إبداء الرأي والرأي الآخر. فإلى مزيد من الحوار الذي نصدق فيه مع أنفسنا ومع مجتمعنا ووطننا. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الرسالة الخامسة
إلى وطني عيني اليسار وعيني اليمين.
وإلى زعفران ترابه حبي الأول ولحافي الأخير.
|