أهداني الدكتور عبدالواحد الحميد وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير كتابه (السعودة أو الطوفان).. وهو عنوان مخيف.. ذكَّرني بمقولة ديغول الشهيرة (أنا أو الطوفان)!.
قرأت الكتاب متبعاً توصية الدكتور غازي القصيبي في مقدمة الكتاب بقراءته أكثر من مرة كما فعل.. وحيث إن الدكتور غازي هو الذي يقود الآن دفة حل مشكلة البطالة.. أجدني مدفوعاً لكتابة رأيي في القضية ليعلم الدكتور غازي أن هناك آراء وطروحات أخرى.. وحتى لا يقع الدكتور غازي أسيراً في يد الدكتور عبدالواحد.. وهو وكيله في الوزارة لشؤون تلك القضية.. ولا يرتهن لرأي واحد واتجاه واحد في الطريق إلى الحل.
وبعد قراءة الكتاب وجدت أن الدكتور عبدالواحد قد ربط الحلول بالألم.. وهذا مصدر احتجاجي.
فالكتاب يعدنا بمزيد من الألم.. وهذا عجيب.. ففهمي للقضية أنها حالياً مؤلمة بل مؤلمة جداً.. وهي بذلك (حالة طوارئ).. ويجب أخذها فوراً إلى قسم الطوارئ.. وليس إلى قسم المواعيد في العيادات الخارجية.
نحن في انتظار وعد بفك الألم وعلاج مشكلته لا الوعيد بالمزيد من الألم.
فأولياء الأمور ينتظرون وعداً برفع ألم البطالة عن أبنائهم.. ورجال الأعمال ينتظرون رفع كافة معوقات نمو أعمالهم وتوسعها.. والمجتمع ينتظر العمل على تعديل التركيبة السكانية لتلافي إفرازاتها السلبية.. أما الشباب فهم بانتظار التأهيل وتوفير فرص العمل.
يا معالي الوزير.. نريد حلاً سريعاً يحقق حلم ورغبات أطراف القضية.. هنا يأتي التفكير الإبداعي لا النمطي التقليدي.
فبلد حباه الله السعة.. وتنوع التضاريس.. وتعدد المناخات.. وفضل الله الكريم الذي جعل ثلث طاقة الكرة الأرضية في أعماقه.. بلد بهذه الصفات وهذا الفضل لماذا على مواطنيه أن يتألموا لحل مشكلة أو قضية؟
بلد كان مصدر النور للبشر.. وما زال مصدر الرعاية والحماية لألف مليون مسلم.. لماذا يريد أهله أن يكونوا مصدر ألم للوافدين لهذا البلد؟
لا نريد حلولاً قاطعة باترة مؤلمة لأي طرف من أطراف قضية توطين الوظائف.. ولا نريد أن يتحول شعار السعودة إلى معنى للعنصرية والتفرقة.. كما لا نريد أن نسيء لصورة المملكة المشرقة.. أو أن نضعف موقفها بين الأمم.
هل اطلعتم يا دكتور غازي على تصريح باني ماليزيا الحديثة الدكتور مهاتير محمد في ندوة عن الاقتصاد السعودي نظمتها وزارة التخطيط حيث قال: (إن المملكة مؤهلة لتكون قوة عالمية.. والعالم الإسلامي في أشد الحاجة لذلك).. يا الله كم كان ذلك التصريح منعشاً محفزاً.. وإني والله أؤمن بذلك.
الدكتور عبدالواحد الحميد.. وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة عريقة.. والذي عمل في مجال مكافحة البطالة من خلال عمله كأمين عام مجلس القوى العاملة.. وهذا يعطيه بلا شك معرفة أكبر بالمشكلة.
الكتاب وإن كان يمثِّل رؤية من الداخل.. أي من داخل الهيئة التي تقوم على القضية.. إلا أنه طغى عليه التفكير الاقتصادي.. الجاف والدقيق والقاطع مثل حد السيف.. فالحياة حسب رأي الاقتصاديين أرقام وليست عواطف.. وهنا بيت القصيد والقضية الكبرى في الكتاب.
الكتاب دعم بالأرقام والإحصاءات والمقارنات.. كلها تقول إن الحياة عرض وطلب.. كما تقول إن السعودة يجب أن تكون في معظمها عن طريق الإحلال.
الكتاب حدد المحور التشريعي كمحور رئيسي للحل.. واختصره في إيقاف التأشيرات وبرر لذلك باختلال معادلة العرض والطلب نتيجة للأعداد الهائلة من الوافدين لسوق العمل.
الكتاب شخَّص بعض جوانب المشكلة.. لكنه لم يقدم الحلول.. ولا ألومه في ذلك.. فالحلول للمشكلة لا يمكن استجلاؤها إلا بعد تحديد أسبابها.. لكي نحللها ونحدد مسارات علاجها.. بذكر محاورها والعناصر المكونة لها.. والمسلّمات الخاصة بها.. والأسئلة المحيطة بكل أهدافها وغاياتها.. والأجوبة المحققة لها.. ولا بد أن يكون السير في العلاج على المسارات كافة وبشكل متكامل دون استنقاص مسار عن آخر.
الكتاب شخَّص المشكلة على أنها مشكلة عمالة وافدة بالدرجة الأولى.. ناتجة من التوسع في استقدام العمالة.. وبالتالي كان الحل المقترح هو الحد من هذا الاستقدام.. وهنا اختلف مع الدكتور عبدالواحد فجذور المشكلة تخطيطية وتشريعية وتأهيلية وتوظيفية وتوعوية.. وكلها يجب العمل عليها في نفس الوقت وبنفس القوة.
يا معالي الوزير: إننا نريد حلاً سريعاً لا مؤلماً.. لا أشك في أنكم والناس أجمعين تقولون كيف يتم هذا؟.. فالسرعة هي صنو العجلة.. والعجلة رديف للخطأ.. وهذا ما لا نريده فيكفي ضياع عشرين سنة من عمر مجلس القوى العاملة الذي انتهى بالإلغاء.. أما الألم فلا علاج دون ألم.. ألسنا في أمثالنا الشعبية نقول (ما حرك داواك).. وبعد كل هذا لن ألومكم يا معالي الوزير لو استنتجتم إني رجل يداه في الماء يتمنى ويحلم ويتثاءب.
صفوني بما تشاؤون.. لكني أؤمن أن هناك حلاً سريعاً غير مؤلم.
|