عندما عدت من المشاركة في الحلقة الثالثة من الحوار الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، سألني أحد الأصدقاء: ما هي الفائدة من الحوار، طالما أنه حوار لا تنفذ توصياته على أرض الواقع؟ فقلت له لماذا تفترض أن من يجلسون في قاعة مغلقة للتداول في هم من هموم الوطن أو أبناء الوطن، لا بد أن يتم تنفيذ ما تحدثوا أو تناقشوا حوله؟ هناك برلمانات ومنظمات وجمعيات واتحادات، تبعثر العالم وتشكله، في نقاشات، قد تستمر لسنوات وسنوات، ومع ذلك فإن ما يتحقق من قبل تلك اللقاءات قليل، أما نحن فما نطمع فيه من مثل هذه اللقاءات ينصب في الدرجة الأولى، ليس على تحقيق كل توصياته ولكن المهم أولاً هو تقريب نفوس وتوجهات. إن الحوار بحد ذاته مطلوب في هذه المرحلة العصيبة التي نمر بها ويمر بها العالم كله، حيث غلب الشطط في القول والعمل وتفوق المسدس على الحكمة والتعقل، فليس أمامنا في وضع مثل هذا إلا الحوار والمزيد من الحوار، حتى ولو كان في الصالات المغلقة!
إن قضية المرأة التي نوقشت في الحوار الأخير، تعتبر من القضايا الحيوية، ومع ذلك فقد نوقشت على مدى ثلاثة أيام، في الوقت الذي تواجه فيه العديد من الدول العربية نفس القضية، لكنها تتحرج من مناقشتها، فليست قضية المرأة هي قيادة السيارة، لكن قضية المرأة في الاعتراف بها كائناً مكملاً للرجل وليست نصف المجتمع فقط، وهذا الكائن المهم للرجل له مثل ما للرجل، مشاكله وهمومه، التي يجب أن يوضع لها حل مثلما نسعى ليل نهار لوضع حل لمشاكل الرجال في العمل والشارع والبيت...لقد كان الحوار حول قضايا المرأة مثمراً ومثيراً في الوقت نفسه، قد كشف لنا عن بعض التناقضات التي تعيشها بعض النخب المثقفة في بلادنا، هذه النخب التي تحب لنفسها ما لا تحبه لغيرها وتنظر لغيرها وتحجب نظرياتها عن نفسها، فليس غريباً أن تكون هناك سيدة معلمة وموظفة، وربما تتاجر في الأسهم والسندات، ومع ذلك فإن الرسالة التي تبثها دائماً حتى في مثل هذه المحافل هي التركيز على أن مكان المرأة في بيتها وأن الرجل أولى وأحق منها بكل فرصة عمل، مثل هذه المرأة تذكرني بذلك الرجل الذي يحث الناس في مجالسة على الزهد في الدنيا، في الوقت الذي نراه موظفاً ومضارباً في العقارات، ومأذون أنكح وغير ذلك. ان مشكلتنا دائماً هي في الصدق مع النفس حقاً وقولاً.. وبدون ذلك سوف نظل نحرث في البحر، فلا نحن تعلمنا السباحة، ولا نحن خرجنا بصيد يقينا ذل السؤال!إن يومين ونصف اليوم من الحوار لم يكونا كافيين لمناقشة (18) بحثاً من قبل أكثر من (80) مشاركاً، وكان المفروض أن يكون هناك القليل من الأبحاث والكثير من الوقت، وقبل ذلك أن يكون الحرص شديداً على ضمان حد أعلى، وليس حد أدنى من الشفافية، بعيداً عن الشطط واللدد في الخصومة لكي نصل من خلال مثل هذه الحوارات الحضارية إلى ما نريده، أو نطمح إليه ، من سيادة الوسطية الفعلية وليست الورقية.. أقول ذلك وقد رأيت ولمست مدى الجهد الذي بذله العاملون في مركز الحوار الوطني بقيادة الأستاذ فيصل المعمر حتى خرج هذا المؤتمر بالصورة التي رأيناها وعايشناها..
أما ثمار اللقاء أو نتائجه فلن تتضح اليوم أو غداً، فنحن نحتاج إلى الوقت الكافي لنرى مجتمعنا في عافيته التي خبرناها، وهي العافية النفسية التي كانت تفتح أبواب الدول أمامنا دون توجس أو خوف وتجاهل وتجعل قبل ذلك أبناء الوطن لا يصادر الواحد منهم رأي أخيه أو توجهه!ان المرأة جزء من الوجع العام الذي يعاني منه المجتمع ولست أبداً خارج السياق وان أخفقنا معها في الوصول إلى ما تريده لنفسها ومانريده لها كشريكة حياة وأم وأخت وبنت وطن!
فاكس 1533173-01 |