Wednesday 23rd June,200411591العددالاربعاء 5 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الركائز الأساسية للأمن في المملكة العربية السعودية (3-3 ) الركائز الأساسية للأمن في المملكة العربية السعودية (3-3 )
د. عبد الله بن سالم الزهراني

( الركيزة السياسية )
لقد كان المقال السابق يناقش ركيزة الأمن الاقتصادي وسيركز هذا المقال على ركيزة الأمن السياسي الذي هو ضمن المنظومة العامة التي تشمل الأمن الاجتماعي والاقتصادي والمرتبط بهما بشكل لا يمكن فصله البتة. فهو يمثل قمة هذه المنظومة. لقد تمكن الملك عبد العزيز - رحمه الله - من لم شتات هذا الوطن الكبير ورتق تمزقه وغيره من الفرقة إلى الألفة ومن التناحر إلى التصالح والتعايش ومن النهب والسلب إلى الأمن والاستقرار. لقد تطلب ذلك جهداً كبيراً وقدمت تضحيات كبيرة بشرية ومادية. لم يكن من السهولة بمكان توحيد هذا الوطن الذي كثرت فيه الوحدات السياسية الصغيرة التي شكلت القبلية في معظم أجزائه هذه التكوينات السياسية التي لم تكن تحتكم إلا إلى الصراع والغزو والسطو. ولم يكن لدى أي منها بشكل عام ذلك المشروع السياسي التوحيدي وإنما كانت مشاريع انفصالية تقوم على المصالح الشخصية والنعرة القبلية. إن توحيد المملكة العربية السعودية يعتبر من أعظم الانجازات السياسية في القرن العشرين إن لم يكن أعظمها على الإطلاق. كما أن هذا التوحيد هو الذي جعل للمملكة مكانة سياسية مهمة في العالم بحكم هذا الحجم الجغرافي الكبير الذي تقترب مساحته من مليونين وربع المليون كم2. كما أن هذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي المهم وإطلالة المملكة على ذراعين بحريين مهمين هما الخليج العربي والبحر الأحمر جعل لها قدرة على الاتصال المباشر مع العديد من الدول. وجانب آخر بالغ الأهمية الذي رسخ مكانة المملكة العربية السعودية لدى دول العالم بشكل عام والعالمين الإسلامي والعربي بشكل خاص هو وجود الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين في أراضي المملكة العربية السعودية التي تعهدت المملكة بالعمل على خدمتمها وخدمة قاصديهما من كل صقع من أصقاع العالم. عمل الملك عبد العزيز على ترسيخ هذا الأمن السياسي من خلال التعامل مع جوانب عديدة وذلك من أجل الإصلاح والتطوير السياسي، لقد شمل هذا التطوير والإصلاح جوانب داخلية وكذلك تطوير العلاقات السياسية الخارجية والتفاعل معها. ولقد بدأ جلالته بالجوانب الداخلية التي تشكل الركيزة الأساسية لتدعيم الوحدة والاستقرار حيث بدأ بتوطين سكان البادية وحثهم على الاستقرار. عندما استعاد الملك عبد العزيز الرياض كان تفكيره منصباً على خلق كيان سياسي كبير. وكان ذلك يتطلب عدةً وعتاداً وعدداً من البشر ليقوم بهذه المهمة. كانت النسبة الغالبة في ذلك الوقت من سكان البادية. وهؤلاء كانوا دعامة الجيش من أجل تحقيق هذه الوحدة. إن طبيعة البادية التي كانت تقوم على الغزو والكر والفر كانت تحتاج إلى تغيير. كان ذلك يتطلب إقناعاً وتوضيحاً لهؤلاء بأن الهدف ليس السلب والنهب وإنما الهدف هو لم الشمل ومحاولة إقناع القبائل والامارات المختلفة بالانضمام طوعاً لهذه الوحدة وإذا لم يتم ذلك فلا بد من استعمال القوة. لابد أن الملك عبد العزيز واجه إشكالات في بداية الأمر من حيث عدم استمرارية سكان البادية في الجيش حيث إنه بعد ضم بعض الأجزاء في نجد يعود هؤلاء السكان للبادية مرة أخرى بعد حصولهم على مخصصاتهم. من هنا جاءت فكرة توطين البادية ليكونوا جاهزين في أي وقت، هذا من جانب ومن جانب آخر هو محاولة الملك عبد العزيز في تعليم سكان البادية أصول الدين على الأسس الصحيحة وعلى هذا الأساس كان الشيخ أو رجل الدين أو القاضي هو أول الخدمات التي لابد من توفيرها في الهجر وهي متلازمة مع بناء المسجد. وسبب آخر هو تسهيل توصيل الخدمات للناس عندما يجتمعون في مكان واحد بدلاً من تفرقهم وانتشارهم على مساحات أوسع. وقد حققت فكرة التوطين ناجحاً باهراً منذ عام 1912 وحتى وقتنا الحاضر وساهمت في استقرار عشرات الآلاف في البدايات لتكون نواة لاستقرار الملايين فيما بعد. لقد عرفت مراكز التوطين بالهجر حيث هاجر الناس من البادية إلى مناطق الاستقرار. إن هذه الهجر ساعدت المستقرين فيها على الهجرة إلى المدن المختلفة والانخراط فيما بعد في الأعمال المختلفة سواء في وظائف الدولة أو في الأعمال التجارية الفردية أو الوظائف في القطاع الخاص.
ومن الأعمال الداخلية أيضا التي رسخت وحدة هذا البلد هو نظام الحكم والتنظيمات الإدارية التي أصدرها الملك عبد العزيز لتنظيم الإجراءات الإدارية والمالية الداخلية. وكانت هذه الجوانب ذات أهمية بالغة في ترسيخ قواعد الحكم وترتيب المرجعيات في التسلسل الإداري. إن نظام الحكم والإدارة والأجهزة الإدارية والتنظيمية والمؤسسات العامة مرت بالعديد من التغييرات والتطور، سواء كان ذلك في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - أو في عهد أبنائه الذين تولوا الحكم تباعاً من بعده ولعل آخر هذه التعديلات هو ما صدر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والمتعلق بنظام الحكم والمناطق الذي صدر في عام 1412هـ وتم تعديل نظام المناطق في عام 1414هـ بناء على المرسوم الملكي رقم أ/21 وتاريخ 30/3/1414هـ.
إن إحياء مجلس الشورى الذي بدأ في عهد الملك عبد العزيز يعتبر إنجازاً رائعاً في عهد خادم الحرمين الشريفين. لقد وضعت اللوائح والتنظيمات لهذا المجلس وتم التدرج في زيادة أعضائه. وربما تكون الخطوة التالية هي زيادة أعضائه وانتخاب تدريجي لنسبة من أعضائه وصولاً للانتخاب الكلي. ولعل التنظيم الذي صدر مؤخراً والمتعلق بانتخاب المجالس البلدية خطوة سيكون لها أهمية كبيرة في الإصلاح السياسي والتنظيمي الداخلي. أعتقد أنه ومع إيجاد مركز الحوار الوطني وفتح المجال للنقاش وإبداء الرأي بشفافية كاملة ربما يقود إلى طرح العديد من القضايا التي تدعم اللحمة الداخلية وتزيد من متانة الوحدة وترسخيها. إن الحوار الوطني سيعقد في كل منطقة من مناطق المملكة وسيشارك العديد من أبناء المناطق في الحوار كما وجه بذلك صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز.
وعند الحديث عن الجانب السياسي في العلاقات الدولية للمملكة وتتبع تاريخها منذ عهد الملك عبد العزيز نجد أنها حرصت على جعل مكانة مهمة للمملكة في المجتمع الدولي حيث انضمت لعصبة الدول عام 1945م وكذلك للجامعة العربية في نفس العام ولذا فهي من الدول المؤسسة. كما كان الحرص دائماً على علاقات متينة ومؤثرة مع كل الدول.
جانب الصداقة كان له أهمية. جانب المصالح المشتركة كان له أهمية. المواقف السياسية للمملكة والمساندة للقضايا العربية والإسلامية هي من أولويات السياسة للمملكة العربية السعودية وكان ذلك واضحاً في القضية الفلسطينية منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى الوقت الحاضر. حظيت القضية الفلسطينية بالمساندة السعودية سياسياً ومادياً ومعنوياً ولم تتغير هذه السياسة حتى الوقت الحاضر رغم الضغوط الخارجية. المملكة ساندت الأفغان أثناء احتلال الروس لبلدهم. المملكة ساندت العراق عندما رأت أن إيران تهدف لتصدير الثورة. المملكة ساندت الكويت ورفضت احتلاله. المملكة رفضت المشاركة في الحرب على العراق ومن قبلها أفغانستان وأدانت ذلك الغزو وهي تطالب بإنهاء الاحتلال. ورغم أن هذه المواقف السياسية للمملكة عرضتها لضغوط خارجية إلا أنها لم تتزحزح عنها لأنها قضايا تتعلق ببلدان إسلامية ذات قضايا مشروعة. وعلى كل حال فإن التعامل السياسي للمملكة مع كل القضايا والمتغيرات الدولية يحتاج إلى الحكمة وقيادة السفينة بشكل يجنبها العواصف والضغوطات الداخلية والخارجية وهذا موجود بإذن الله في قيادة المملكة وفي الشعب الوفي لهذا الوطن. كما أن التطوير والإصلاح السياسي المدروس الذي تتطلبه هذه المرحلة التاريخية سيكون له انعكاس إيجابي على استقرار هذا الوطن وحفظ أمنه ومكانته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي سيرد كيد المتآمرين إلى نحورهم.

Zahi_2000@hotmail.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved