شبَّ منذ الصغر عند أمه تحنو عليه، تسر لسروره وتحزن لحزنه، وكان أعز ما تملك ولا تترك شيئاً يؤذيه وكان هو يبادلها شعورها نحوه.. ولكن هذا الحنان والشفقة أفلا عندما فقد هذا الصغير أمه العزيزة وفقد الحنان في وقت هو أشد ما يكون في حاجة إليه وكان أبوه يتعذب عندما يرى ابنه حزيناً على أمه فيرثى له ويقرر أن يتزوج عسى أن يعوِّضه عن أمه فينسى حزنها وتزوج الأب وانتقلت زوجته إلى بيته وبعض مضي أيام صارت هذه الأم تضربه وتستخدمه وتغلق دونه الباب عندما يعود أبوه من شغله تدعوه لضربه وتوغر صدره عليه بادعاءات كاذبة لا أصل لها فيضرب هذا المسكين الذي صبر على عذابها وعندما كبر الغلام أصبح يفكر في وضعه ولكن لا يقدر على الانفصال بسبب حالته المادية، فاشتغل عند تاجر بأجرة ضئيلة ثم جمع شيئاً من المال استطاع أن يفتتح بها دكاناً صغيراً ما لبث أن تحول إلى دكان كبير حتى أصبح ذا شأن ولكن رغم هذا فالبيت عنده جحيم بسبب امرأة أبيه فانفصل عن أهله ببيت مجاور، وكان يزوره بين الحين والحين صديق له أعجب بأخلاقه وكان عنده بنت فخطبها منه فلم يتردد في الإجابة وفي موعد حفلة الزفاف دعا امرأة أبيه إلى حضور الحفلة لكنها امتنعت بسبب حقدها لكن هذا الشاب كان حليماً فلم يوغر صدره ما فعلت وعاش هو وزوجته بحنان وحب وأنجبا طفلين، وبعد مضي زمن توفي أبوه، فما كان منه إلا أن أسرع إلى امرأة أبيه ودعاها للجلوس معه في البيت تحت رعايته ورعاية زوجته، فتعجبت من موقفه على الرغم مما فعلته معه وكيف قابلها بإحسان، فخجلت أشد الخجل وشعرت بجسمها يرتعش كيف هذا الذي طردته من البيت يأتي ليأويها فذهبت معه وهي منكسرة الخاطر وعاشت بينهم تحت الرعاية الكريمة من زوجته وأبنائه وأصبحوا ينظرون إليها كوالدة لهم وعاشوا سعداء بفضل صبر وجلد هذا الشاب الذي ضرب مثلاً أعلى لمن أراد الاقتداء.
عبد الله الناصر الوليعي | 
"زمان الجزيرة"