* الرياض - وهيب الوهيبي:
أكدت المملكة أن قضية حقوق الإنسان في الإسلام تسير على مبدأ ثابت هو إلهية المصدر في تقرير هذه الحقوق والمحافظة عليها وأن حقوق الانسان في الاسلام جزء من الدين عند المسلمين فليست منحة من حاكم أو هيئة تشريعية وليست ميثاقاً أو صكاً صادراً من منظمة دولية أو سلطة اقليمية أو محلية بل هي جزء من الدين والمعتقد فلا تقبل حذفاً أو نسخاً أو تعطيلاً ولهذا كله فان المملكة وهي تطبق الشريعة الاسلامية تلتزم بمبدأ ثابت ومتقرر ديناً ومعتقداً ولا خيار لها في غيره ولا اشكال عندها في صحة وسلامة ونتائج الاحكام الاسلامية في قضائها وكل شؤونها.
جاء ذلك في كلمة المملكة التي القاها معالي وزير العدل ورئيس وفد المملكة عبد الله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ اليوم في افتتاح أعمال اجتماعات الدورة الثالثة والأربعين للمنظمة الاستشارية القانونية لدول آسيا وافريقيا التي تعقد اجتماعاتها بمدينة بالي في اندونيسيا خلال الفترة من 3 إلى 7 جمادى الاولى 1425 هـ.
وفيما يلي نص كلمة المملكة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السيد الرئيس.. أصحاب المعالي والسعادة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
ففي هذا المحفل التشاوري الذي يضم نخبة من رجال القانون والقضاء يجتمعون كل عام في لقاء علمي قانوني متجدد اجدها فرصة لتحية الجميع وتقدير الجهود المبذولة من أمانة المنظمة وهيئتها الادارية للتحضير والاعداد لهذه الدورة..
وأود وأنا في هذا الحشد من المختصصين في القضاء والقانون أن أطرح قضية يتكرر عرضها في أغلب منتديات الفكر القانوني ولكن طرحي لها في هذا المنتدى سيكون مختلفاً عن الطرح المألوف في تلك المنتديات والمؤتمرات تلكم هي قضية حقوق الانسان وأقصد حقوق الإنسان في الإسلام حيث تمثل بلدي المملكة العربية السعودية نموذجاً متميزاً في التعامل مع هذه الحقوق وصيانتها تأسيساً على مبدأ ثابت هو إليهة المصدر في تقرير هذه الحقوق والمحافظة عليها.
إن حقوق الانسان في الاسلام جزء من الدين عند المسلمين فليست منحة من حاكم أو هيئة تشريعية وليست ميثاقاً أو صكاً صادراً من منظمة دولية أو سلطة اقليمية أو محلية بل هي (كما اسلفت) جزء من الدين والمعتقد فلا تقبل حذفاً أو نسخاً أو تعطيلاً ولهذا كله فإن المملكة العربية السعودية وهي تطبق الشريعة الاسلامية تلتزم بمبدأ ثابت ومتقرر ديناً ومعتقداً ولا خيار لها في غيره ولا إشكال عندها في صحة وسلامة ونتائج الاحكام الاسلامية في قضائها وكافة شؤونها وانما تقع المشكلة التي نطرحها اليوم في هذا المؤتمر أن كثير من المنظمات الدولية واللجان الدولية سواء اكانت ذات علاقة بالأمم المتحدة أم غيرها من المنظمات واللجان التي تعني بحقوق الانسان لم تتفهم بعد هذه القضية ولم تستوعب هذا المنهج اذ إن هذه الاحكام ليست من البشر وليست قوانين وضعتها الدول وفرضتها على أفرادها وانما هي أحكام فرضها وأنزلها رب العالمين كما اوضحنا آنفا.
ان المعيار في حقوق الانسان في الاسلام يستند على مبدأ إلهية المصدر ووجوب الالتزام والتقيد بأحكام الدين فهي جزء منه لا يجوز لحاكم أو سلطة أن يتعرض له أو يسعى لتبديله أو تعطيله وهذا محل قناعه وتسليم لدينا. ومن أجل هذا فإن المملكة العربية السعودية تأمل من السادة المشاركين في هذا اللقاء التشاوري ابداء وجهة النظر لمعالجة هذه القضية واقتراح الحلول المناسبة لايضاح المبررات المقنعة للآخرين الذين لم يتفهموا هذا الموقف الثابت من المملكة.
واسمحوا لنا أن نعرض مثالاً واحداً يثار عند من لا يؤمن بثوابتنا ومسلماتنا.. يرى هؤلاء المعارضون لأحكام شريعة الله أن اقامة حد السرقة فيه قسوة وامتهان لكرامة الانسان وتقطيع لاطرافه ونحن نقول لهم ان هذا الحكم ليس قانوناً صادراً من شخص أو حاكم وإنما هو حكم أمر به الخالق في القرآن الكريم بقوله تعالي {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا} وقد اتفق المسلمون منذ بداية الاسلام إلى وقتنا الحاضر على تنفيذ هذا الحكم ولم يعترض مسلم قط على صدق هذا الحكم وسلامته من النقص ثم تأملوا الأمن على المال والبلاد التي تطبق هذه الاحكام الإلهية وضعوا مقارنة بينها وبين غيرها ممن لا يطبق هذه الأحكام وما يحصل فيها من سطو وسرقات ليلاً ونهاراً والشريعة الاسلامية حين قررت عقوبة القطع لم تكن قاسية وهي الشريعة المعروفة بالرحمة بل إن رسولها لم يرسل الا رحمة للعالمين كما قال تعالي {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } واخبر أن من لا يرحم لا يرحم. وعقوبة جريمة السرقة بهذه الطريقة أسلم علاج لمكافحتها والواقع شاهد على هذا فحينما طبقت المملكة العربية السعودية هذه الأحكام كانت النتيجة أن عدداً محدوداً جداً قد طبقت عليهم عقوبة القطع خلال مائة عام والنتيجة أن المملكة اصبحت مضرب المثل في الأمن فصار أصحاب المحلات التجارية يتركون أبواب محلاتهم مفتوحة ويذهبون بعيداً عنها ساعات متتالية ويعودون اليها ولا يجرؤ أحد أن يدخلها أو يسلب شيئاً منها.
السيد الرئيس / أصحاب المعالي والسعادة.. إن الثوابت والمسلمات هي محل رضا وقناعة وتسليم لدي الشعوب تتفاوت بين شعوب الشرق والغرب والشمال والجنوب والكل راض بما عنده استناداً الى موروث عرفي أو عادة متأصلة والامر عندنا يختلف فقناعتنا ومسلماتنا في موضوع حقوق الانسان جزء من ديننا وعقيدتنا فليست عرفاً أو عادة تقبل المراجعة أو المناقشة ونحن بحاجة إلى تفهم من يجهل هذه الحقيقة من المنظرين والمهتمين بموضوع حقوق الانسان. ونحن إذ نطرح هذه القضية في هذا المحفل الذي يضم نخبة من صفوة رجال القانون والقضاء نأمل أن يحظي هذا الطرح بنظرة منصفة تتفهم هذه المشكلة وتساعدنا في اقناع الآخرين ونشكر أمانة المنظمة على ادراج هذا الموضوع ضمن برنامج عمل المنظمة وبحثه في هذه الدورة. وختاماً فإنني أشكر سلفاً كافة المشاركين في هذا المؤتمر على تفهم هذه القضية وحسن المشورة في معالجتها.
يذكر ان الرئيسة الاندونيسية السيدة ماجاواتي سوكارنو كانت قد افتتحت اليوم الاثنين أعمال اجتماعات الدورة الثالثة والاربعين للمنظمة الاستشارية القانونية لدول آسيا وافريقيا التي تنظمها اندونيسيا خلال الفترة من 3 إلى 7 / 5 / 1425هـ بكلمة اوضحت فيها الدور الريادي للمنظمة في مجال مكافحة الإرهاب ومحاربة الفقر والهجرة غير المشروعة بالاضافة إلى إسهام المنظمة في تشجيع وإعانة الدول الفقيرة. بعد ذلك القى الامين العام للمنظمة زاهر كامل وفيق كلمة الامانة استعرض فيها ميزانية المنظمة والمراحل التي وصل اليها مشروع المبني الجديد للمنظمة في الهند بالاضافة إلى استعراض جدول أعمال المنظمة للدورة الحالية. عقب ذلك توالت الكلمات من الدول الأعضاء المشاركين في الاجتماعات..
ثم جرى بعد ذلك التصويت لانتخاب رئيس للدورة الحالية للمنظمة حيث تم انتخاب وزير العدل الاندونيسي يسريل ماهندر. تجدر الاشارة إلى ان هذه المنظمة تعمل على تقديم المشورة للدول الآسيوية والافريقية تحت مظلة الأمم المتحدة. ويضم وفد المملكة لهذا الاجتماع معالي رئيس هيئة الرقابة والتحقيق محمد عبدالله النافع ووكيل وزارة العدل للشؤون القضائية عبد الله بن صالح الحديثي وعدداً من المسؤولين في وزارة العدل وبعض الجهات الحكومية ذات العلاقة. وكانت المملكة قد عرضت في دورات سابقة موضوع حقوق الانسان في الاسلام على برنامج عمل هذه المنظمة حيث تم قبوله وادراجه على جدول أعمالها وتم تقديم ورقة عمل بهذا الشأن كما أعدت أوراق أخرى في نفس الموضوع لطرحها في الدورة الحالية.
|