Tuesday 22nd June,200411590العددالثلاثاء 4 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

النكتة علاج النكتة علاج
د. عبدالرحمن الحبيب

فيما كان العالم يصطخب بأفراحه ومآسيه كنا في الركن القصي، بعيدين تتلمسنا تداعيات الأحداث هونا وتمر علينا لماماً.. إنما هذه الأيام، يحصل أن نكون في خضم المعامع الدولية نخوضها ونتمرغ بها.. وبينما مجتمعنا يتطلع نحو المستقبل تتشابك الصعاب وتنمو الشدائد والمعضلات الجسام.. هنا، وعلى غفلة، تطول قامة النكتة وتتسامق مع السنين العجاف كمحطات تريحنا برهة من عناء الوقائع هذه.. ويتوافق أن يزدهر عالم الاتصال، لنحمل أجهزتنا الجوالة تحفزنا على اللجوء إلى الطرفة كي نضحك قليلاً وننسى كثيراً.
الجوال هدية المتعب من وعثاء العمل والزحام والالتزامات.. أنا محدثكم، رجل أدمن بعث رسائل عبر الجوال يريد أن يقطف ثمار التعب ويهديها للأحباب والمعارف.. عبر النكتة أولاً، أردفها ببعض أبيات شعر وربما حكم ومقولات. إلا أن البعض يستهجن النكت من كاتب يدعي الثقافة.. بعض آخر لا يستهجن إلا النكت المتجاوزة حدود اللباقة، وكأن النكتة يراد بها أدبا وعظيا أو توعية أو حوارا! وثمة من يرفض النكتة عبر الجوال أصلاً، أو يرفض النكت قاطبة خشية أن تميت روح الجد لديه.
أكثر من شخص جادلني عن مدى عبثي بالوقت وتفرغي لهكذا فوائض.. أحدهم وبخني على تبذير المال فيما ليس ضرورياً، فالجوال في نظره ورسائله هي للحاجات والمنافع وليست للهو! إنما الغالبية مولعة بالنكتة على غير العادة، حتى ان رسائل النكت تردني من اناس لا أتوقع منهم أي رسالة، بل يحصر كثير ممن اعرف جميع رسائله بالنكت فقط دون غيرها. وبين هؤلاء وأولئك.. ينبع استفهام، هل النكتة والضحك فائض جانبي أم هو حاجة طبيعية ملحة؟ فلنعبر سريعاً لنتعرف على النكتة وما يقول فيها العلم.
تعتمد النكتة الأسلوب الكاريكاتوري، بسرد غير منطقي يضخم الحالات والسلوكيات بطريقة مبالغ فيها أو خيالية، ونهايات غير متوقعة. والنكتة ظاهرة بشرية تلعب دوراً عاماً (اجتماعياً، وسياسياً، وثقافياً..) ودوراً خاصاً (نفسياً وفسيولوجياً). فعلى المستوى الجماعي قد تظهر النكتة كمواجهة سلمية ساحتها الأحاسيس والمشاعر، ونضال اجتماعي ضد الظلم ورد الاعتبار للمستضعفين، كما تستخدم النكتة في الصراعات كأسلوب إيديولوجي ودعائي للتأثير في وجهات النظر المتصارعة.
وعلى مستوى الفرد تظهر النكتة كحاجة ترويحية لمواجهة مصاعب الحياة والتعالي على الآلام وإزالة الحزن والكآبة.
وتوضح الدراسات العلمية الفسيولوجية ان الضحك يحفز نشاط الذهن والجهاز العصبي، ويعزز الجهاز المناعي ضد الأمراض ويخفف الآلام وينشط عضلات الوجه والحلق والجهاز التنفسي والقلب. وثبت علمياً ان الضحك (وكذلك البكاء!!) يحفز المخ على إفراز الإندروفين موجهة إلى مجرى الدم. والإندروفين مادة كيماوية طبيعية مشابهة لتركيب المورفين والهيروين، ولها تأثير مهدىء للأعصاب وفي الوقت نفسه تدعم جهاز المناعة في الجسم (ألن وباربره بيسي).
ولأن الضحك حاجة إنسانية، فالنكتة ظاهرة إنسانية شاملة في كل الشعوب والأمم. ويختلف تأليف واستقبال النكتة باختلاف الأزمنة والشعوب والعمر والجنس (أنثى - ذكر).. فالأمريكيون يميلون للنكات التي يكون أبطالها سذج أو حمقى وهذا أيضاً رائج في ثقافة النكتة العربية، بينما يحبذ البريطانيون النكت التي بها تلاعب بالألفاظ، في حين ان بعض الأوروبيين يفضلون النكتة ذات الطابع الذهني.
ويخبرنا المختصون أن الرجال يميلون للنكات الفاضحة والجنسية، والنكات التراجيدية والسياسية المنحدرة من مآسٍ وأحداث محزنة، بينما النساء يفضلن النكات المتصلة بمواضيع العلاقات الاجتماعية وعالم الرجال. موضحين أن الذكور عموماً يحفظون النكات أكثر كثيراً من الإناث. وتلعب النكتة دوراً مهما في تمتين العلاقات بين الرجال. وتوضح دراسة علمية تشريحية للمخ عن جامعة روشستر الأمريكية، أن الضحك يحفز أكثر الجانب الأيسر من المخ لدى الرجل، والعكس لدى المرأة. ويفسر بعض المختصين اختلاف الرجال والنساء في التعامل مع المآسي، بأن النساء يعبرن عن عواطفهن بوضوح، بينما الرجال يستخدمون النكتة للمراوغة في عواطفهم لكيلا يبدو عليهم علامات الضعف (هرليين). لكن البعض يحلل المسألة بطريقة مختلفة، وهي أن أحداث النكتة المأساوية رغم انها تبدو للنساء قسوة وبلادة حس، هي مجرد خيال نضحك من خلاله لاطلاق الإندروفين كنوع من التسكين النفسي. فلو كانت المأساة حقيقية لربما بكينا، وهنا أيضاً نفرز الإندروفين!!. فعند مواجهة موقف عاطفي مأساوي، كوفاة شخص عزيز، يبكي البعض ليطلق الإندروفين، لكن الفرد الذي لا يمكنه تصديق خبر الوفاة من هول الفاجعة، قد يبدأ بالضحك.. ثم يتحول بعد إدراكه للواقعة إلى البكاء، وفي كلتا الحالتين يطلق الإندروفين لتسكين الألم (ألن وباربره بيسي).
الإجابة واضحة بأن الضحك هو ضرورة وليس فائضاً من الكماليات السلوكية، ومن ثم فالنكتة هي أحد أركان هذه الحاجة، لأنها المصدر الأساسي للضحك. (انثر الابتسامات يميناً وشمالاً على طول الطريق، فإنك لن تعود للسير فيه ثانية) (أحمد امين).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved