العلاقة بين المرض والإعاقة علاقة وطيدة، وقد تكون بعيدة عن ملاحظة كثير من الناس، الذين لا يدركون أن الإعاقة ليست بالضرورة تولد مع الإنسان، وإنما قد تطرأ في حياته، وقد يكون المرض سببها، وأوضح دليل على الأمراض التي يمكن أن تصنف ضمن الإعاقات (مرض باركنسون) حيث نتابع جميعاً ما أصبح متعارفاً عليه في الأوساط الطبية وهو أن مرض (باركنسون) من الأمراض الشائعة لدى كبار السن، حيث تبدأ أعراضه دائماً بين فترة العمر من سن الــ40 إلى 60 سنة، وتزداد نسبة الإصابة به كلما تقدم العمر.
ويوصف مرض باركنسون بأنه يسبب تلفاً في جزء محدد في النواة القاعدية في الدماغ، معروف باسم (المادة السوداء) وتعتبر هذه المادة المسؤولة عن إفراز مادة (الدوبامين) الضرورية لتوازن وضبط حركات الإنسان، وعند تعرض هذه المادة للتلف تسبب مرض الباركنسون، وحتى الآن لا تعرف بالتحديد الأسباب المؤدية لتلف هذه المادة، وقد يكون للجينات الوراثية ولعوامل البيئة المحيطة بالمريض علاقة ما بالأسباب.
ويذكر الأطباء والعارفون الكثير عن مرض (باركنسون) ولا بأس أن نذكر بعض أعراضه التي قد تظهر على عدة أشكال وصور وهي:
- الرعاش (الرجفان) وقد لا يقتصر على عضو حركي واحد بل قد يصل إلى أكثر من عضو في جسم الإنسان.
- (التصلب) وهو تيبس الجسم وعدم القدرة على عمل أي حركة.
- وهناك أعراض أخرى مثل: جر القدمين، اختفاء معالم الوجه، انخفاض الصوت مع بحة، القلق، الاكتئاب، صعوبة البلع، الإمساك، الأرق الليلي.
ويعتمد التشخيص والتأكد من حالة مرض باركنسون أولاً على الدراسة السريرية لأعراض المرض والفحص الدقيق للمريض، وهنا تستدعي حالة المريض وسلوكه سبل العلاج الصبر والمثابرة وأيضاً ضرورة عناية الآخرين به من افراد أسرته أو من المجتمع والمؤسسات الصحية والتأهيلية.
وتذكر المراجع الطبية أن بعض العلاجات تسهم في تخفيض وشفاء الحالة ويعتبر عقار DOPE العلاج الأولي والأساسي لمرضى ال(باركنسون) حيث يقوم بتعويض النقص في مادة الدوبامين، علماً أن هذا الدواء لا يقضي نهائياً على المرض ولكنه يحسن من بعض أعراضه، وإذا عدنا إلى بدايات شعور المريض بالمرض دون أن يعرف له صفة ولا اسماً سنجد ان الرجفان أو التصلب لا يأتي دفعة واحدة، بل ببطء ويبدأ الشعور بعدم الاتزان، وقلة المقدرة على ممارسة الحركات الطبيعية والسبب هو كما أسلفنا في الخلايا المسؤولة عن ضبط حركة الجسم وظهور الأعراض والمسببة لمرض ال(باركنسون) تتلف بالتدريج، وهي موجودة في منطقة صغيرة من جذع الدماغ، تسمى بالمادة السوداء نظراً للونها القاتم، وتؤدي هذه الخلايا بإفرازاتها من الدوبامين دوراً معيناً في موازنة مراكز أخرى وفقدان هذا التوازن يؤدي إلى الرجفان أو التصلب العضلي.
وقد توصل العلماء إلى بعض الأساليب المجدية والتي أعطت نتائج طيبة للعلاج، وتعتمد بعض هذه الأساليب على اتلاف تلك المراكز المسببة للمرض والتي عجزت خلايا المادة السوداء التالفة عن إفراز المادة تحقيق التوازن في عملها، وبالتالي عودة الجهاز العصبي إلى نقطة التوازن أو التعادل، وتتم هذه العملية بواسطة إدخال إبرة دقيقة وسط الدماغ وتوجه عن طريق التصوير المغناطيسي وبوجود خرائط توجيهية (التنظير) معينة بحيث يصل رأس الإبرة الى المكان المطلوب في المنطقة خلف المهاد ثم يصدر حرارة تؤدي إلى كي المنطقة صغيرة 1 ملم إلى 2 ملم تساعد المريض على استعادة توازنه وسيطرته على حركاته، لكن يبقى أن تجتاز هذه الطريقة (التجربة) اختبار الزمن وينظر إلى تأثيراتها على المدى البعيد كما حدث مع عقار (دوبا).
ويذكر الأطباء المعالجون أن دور التدخل الجراحي يعتبر دوراً أساسياً في الحالات التي لا يمكن السيطرة عليها دوائياً أو عندما تظهر أعراض جانبية في تعاطي الأدوية المكافحة لهذا المرض مما يؤثر على النشاطات اليومية للمريض، وهذا يقرره طبيب الاعصاب المختص الذي يقوم إما بكي جزء من النواة القاعدية أو زرع جهاز التنبيه الكهربائي لذلك الجزء من الدماغ.
ولا يزال العلماء في بحث دؤوب ومتواصل مع هذا المرض أسوة ببقية الأمراض، ويبدو أن البحث العلمي يقفز في كل فترة قفزة تؤدي إلى تجاوز حاجز معين، لكن كم هناك من الحواجز الأخرى؟ هذا أمر لا يعلمه إلا الله {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .
لقد اهتمت المملكة العربية السعودية باستقصاء وعلاج هذا المرض، وأسست مراكز أبحاث ومشافي واخصائيين لمتابعة كل جديد في هذا السبيل على خطة خدمة الشعب في كل منحى، وقد كشف الدكتور أحمد الخاني استشاري جراحة المخ والأعصاب ومدير برنامج الاضطرابات الحركية في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، عن اجراء ثلاث عمليات ناجحة لمواطنين سعوديين لعلاج شلل الرعاش (باركنسون) باستخدام تقنية التنبيه الكهربائي التي تستخدم لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط، وأشار إلى أن أول عملية أجريت في المستشفى بواسطة هذه التقنية كانت خلال شهر أغسطس (آب) 2002م وتوالت بعدها باقي العمليات التي تعتبر طريقة متقدمة ولا تجرى إلا في المراكز الطبية المتقدمة في العالم، ويشار إلى أن مستشفى الملك فيصل التخصصي قد أسس برنامجاً لعلاج الاضطرابات الحركية الناتجة عن علل وآفات الجهاز العصبي، ومن أشهر الأمراض التي يقوم البرنامج بعلاجها مرض باركنسون ومرض الرجاف الحميد الذي هو عبارة عن رجفة في الأطراف ليس لها سبب واضح، من هنا فإن مرض التصلب العضلي يعد من أكثر الأمراض صعوبة من حيث التشخيص العلاجي.
وأخيراً ننوه بما قيل عن البطل العالمي المسلم محمد علي كلاي بأنه أصيب بهذا المرض بعد حياة حافلة بالبطولات والإنجازات، نرجو للجميع السلامة والمعافاة، فهو سبحانه من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
* عضو مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل
الرياض - فاكس 014803452
|