يقول أفلاطون في وصف مدينته الفاضلة (حينما تضع الحرب أوزارها كما يقولون، يجب أن تنتقل السلطة إلى الفلاسفة) فهذا الفيلسوف القديم الذي تفصلنا عنه آلاف السنين، كان يعلم أن المجتمعات المدنية لا تحكم من خلال العسكر، فحكم العسكر حكم ديكتاتوري شرس يغلب لغة القوة والغايات البرجماتية، على الحنكة والدهاء السياسيين، وهذا بالتأكيد من شأنه أن يجر المجتمعات إلى ويلات وكوارث كبيرة.
وكتاب التاريخ زاخر بالصفحات الدموية التي كانت الشعوب تحكم فيها من خلال الجيش أو العسكر، والأمة العربية في القرن الماضي ابتلاها الله بعدد من الانقلابات العسكرية التي تفجرت في أنحاء البلاد وما زالت الدول والشعوب العربية تعاني من ويلاتها إلى الآن.
وأبرز ملامح حكم العسكر في العالم العربي:
- حكم ديكتاتوري متسلط يسعى فيه الحاكم العسكري إلى إلغاء جميع المؤسسات المدنية في المجتمع وتحويله إلى ثكنة عسكريةتلهج باسمه.
- وضع الشعوب العربية في حالة تجييش دائمة واستنفار، واختطاف الأموال من مدارس الصغار وموائدهم وغدهم، وتجييرها لمجد الآلة العسكرية.
- الخطب الحماسية النارية والإنشاء اللغوي الكبير الفضفاض الذي يرتكز على خواء وفراغ، وخلق واقع لغوي وهمي في الأدمغة سرعان ما يتدمر ويتلاشى على أرض الواقع.
- المزايدات المستمرة على القضية الفلسطينية وتوظيفها لأغراض ومصالح شخصية تتعلق بكرسي الحكم.
- المحاولات المستمرة والدائمة لتصدير الثورة إلى خارج الحدود ومحاولة ضرب واختراق أمن الدول المجاورة الآمنة، إما من خلال غزو عسكري من جيوش جراره، أو من خلال أفراد من مخابرات سرية يحاولون إثارة البلبلة والقلاقل والدمار بشكل خفي وسري.
لعل ما سبق أبرز الملامح لهذا البلاء العسكري الذي ابتليت به هذه الأمة لفترات طويلة، فإن كان الموت غيب بعض رموزه، فهناك نماذج مازالت تمارس جنونها وعربدتها، ولكن دوماً تثبت لنا الجدلية التاريخية أن تلك النماذج سيكون مكانها مجارير التاريخ ومصارفه الخلفية.
|