Sunday 20th June,200411588العددالأحد 2 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "حدود الوطن"

حدود الوطن حدود الوطن
الداير بني مالك عروس جبال جازان
قرى معلقة في قمم الجبال.. وفن معماري بديع

*حلقات أعدها - جبران المالكي:
بوابة جازان الشمالية الشرقية على عسير أصبحت تشكل مدينة مثلثة تربط منطقة جازان بعسير من الشمال والشمال الشرقي وتتصل بالحدود اليمنية من جهة الجنوب والشرق، تسكنها قبائل بني مالك بتاريخها العريق وحاضرها المشرق ولذلك سميت باسمها وهي امتداد للقبيلة الأم المنتشرة في الحجاز وعسير وفي الكثير من دول شبه الجزيرة العربية.
وتتبعها إدارياً قبائل آل تليد وقبائل بني حريص بتاريخها المشرف وماضيها العريق، وهذا ما سوف نتطرق له في حلقة قادمة.
****
غالبية مناطقها جبال متناثرة هنا وهناك تأتي امتداداً لسلسلة جبال السروات الشهيرة، تجملها تلك القرى المتناثرة على قمم الجبال التي سكنتها القبائل مشكلة عقداً فريداً يزين جيدها.
لها سوق شعبي شهير يعد من أشهر وأكبر الأسواق الشعبية بالمنطقة في الحركة التجارية وقد عرف وذاع صيته في المنطقة منذ القدم ويسمى باسمها.
بني مالك جزء من المخلاف الشامي سابقاً ذكرها المؤرخ الشهير (خير الدين الزركلي) وتحدث عنها في كتابه شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله.
قرى معلقة وفن معماري بديع بيوت بأشكال جمالية فريدة أسطوانية وأخرى مربعة.
طبيعة خلابة وتضاريس جغرافية متنوعة صعود وهبوط بين الأودية والجبال والهضاب متعة لا يستشعرها إلا أهلها في حين تبدو للآخرين نوعاً من المغامرة من غيرهم ساكني الجبال يستطيع تطويع البيئة الجبلية لخدمتهم؟؟؟
أشداء قاوموا الظروف الصعبة وجبروا الطبيعة والتضاريس القاسية لخدمتهم، تشهد على عظمة ماضيهم تلك القرى المشيدة بأساليب معمارية فريدة وجميلة ولازالت قائمة لتشهد على حقبة من الزمن ولت وأجيال عظيمة ذهبت فلله درهم.
لتسميتها بهذا الاسم حكاية ولأهلها عادات وتقاليد جديرة بالوقوف والتمعن سوف نبحر في ماضيها عبر حدود الوطن ونتعمق في تاريخها وعاداتها قبل أن نعود إليها متحدثين عن نهضتها وتطورها في هذا العهد الزاهر.. ولكل شيء بداية ورحلتنا من الداير هي البداية.
تاريخ بني مالك
الباحث والمؤرخ عبدالرحمن الرفاعي أمين عام موسوعة الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز بمنطقة جازان وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة وعضو جمعية لسان العرب بجامعة الدول العربية وعضو جمعية تراث ابن عربي بباريس واكسفورد ودمشق تحدث ل(الجزيرة) قائلاً: منطقة جازان هي ليست وليدة اليوم والليلة بل هي قديمة قدم التاريخ وإذا كان الكثرة من مؤرخي المنطقة قصر نفسهم التاريخي جعلهم لا يتجاوز حديثهم عن تاريخ المنطقة القرن الخامس الهجري يعني العصور الإسلامية ولا تجد لهم أي إشارة لقدم تاريخ المنطقة.
وهذا لا يعني أن منطقة جازان لم تكن عريقة التاريخ وهذا غير صحيح وهذا المجال لقد تحدثنا عنه تكراراً آخره في حديثنا عن صبيا وضمد وأبي عريش والتي نشرتها مجلة أصوات والتي تصدر عن نادي جازان الأدبي وهناك ما هو أهم حول تاريخ هذه المنطقة ويؤكد هذا القدم مجموعة من الدراسات حول هذا الباب منها جدة والكنعانيون بفرسان والكنعانيون معينيون من جازان ولقد نشرت سابقاً.
وإذا كان الكنعانيون والآراميون لهم ارتباط وثيق بهذه المنطقة ألا يدل ذلك على قدم تاريخ المنطقة فالكنعانيون الذين هاجروا من مواقع قريبة من مواقع بني مالك كانوا قبل التاريخ بآلاف السنين وذلك يعني أن تاريخ بني مالك عريق جداً ويعود إلى ما يقارب 7000 سنة فإذاً بني مالك قديمة تاريخياً كقدم من خرج منها من قبائل الكنعانيين بدليل أن من سمي بالكنعانيين سواء كانوا معاصرين لقبائل طي الكبرى وأن طي خلفتهم على تلك المواقع والأقرب أنهما كانا متعاصرين.
وقبائل طي كانت تسكن بني مالك هذه المواقع الممتدة من فيفا حتى قرب العبادل وشرقاً إلى ما بعد عسير إلى قرب المهرة فحضرموت فهذا دليل آخر على قدم سكنى بني مالك.
إذاً فتاريخ بني مالك المرتبط بقبائل طي والتي كانت معاصرة لقبائل عاد لأن طي اسمها الصحيح جلهمة ويقال إنه كان من ضمن الوفد الذي خرج من عاد لطلب السقي من مكة وعلى هذا يعود تاريخ بني مالك لفترة ما قبل التاريخ تقدر بحوالي 7000 سنة، واللسان هو خير دليل فمن خلال تتبع للهجات سكان بني مالك وجدت أن لهجة هذه المواقع هي الحلقة المفقودة في امتداد عربية ألسنة من سمي الكنعانيون والآراميون وغيرهم ولقد صدرت هذه في دراسة بعنوان الحلقة المفقودة في امتداد عروبة اللهجات السامية والتي هي لهجة بني مالك.
تسمية بني مالك
يضيف المؤرخ الرفاعي قائلاً: إن تسمية هذه المواقع بالذات ببني مالك له ارتباط وثيق جداً فمالك ابن أدد هو أخو طي ابن أدد بن زيد بن يشجب ابن عمرو ابن مالك ابن زيد ابن كهلان ابن سبأ ابن يشجب ابن يعرب ابن قحطان ابن عابر (وهو النبي هود عليه السلام) إذاً فلماذا لا تكون تسمية هذا الموقع ببني مالك نسبة إلى مالك ابن أدد هذا بدليل أن أحد أحفاد مالك وطي كان اسمه عتود الذي سكن موقعاً داخل بني مالك والذي سمي به وادي العتود المشهور حالياً في بني مالك.
نقوش ببني مالك
أشار المؤرخ الرفاعي إلى وجود العديد من النقوش الأثرية موجودة حتى الآن وتعود لعصور عميقة بتاريخه مكتوبة بخط المسند القديم من ضمنها صخرة كبيرة مكتوب عليها عقبة وادي جزن أي (عقبة وادي جيزان) على امتداد مواقع بني مالك جهة العبادل وهناك نقوش مسجل عليها أسماء الملوك المعينيين وأسماء لمواقع وهناك مقابر أثرية منقوش عليها أسماء الموتى.
وتحتاج هذه النقوش للكثير من الرعاية والتنقيب.
الموقع
تقع الداير بني مالك في الشمال الشرقي لمدينة جازان وتبعد عنها حوالي 120 كيلومتراً وترتبط بها بطريقين حديثين أحدهما يعبر عن طريق محافظة العيدابي - صبيا والآخر عن طريق محافظة العارضة أبي عريش.
حدودها
يحد محافظ الداير بني مالك من الغرب جبال فيفاء ومحافظة العيدابي ومن الشرق الحدود اليمنية ومن الشمال الشرقي منطقة عسير، أما من الجنوب فهي على امتداد الحدود اليمنية وتبلغ مساحتها حوالي 300 كم2 وسكان محافظة الداير بني مالك أكثر من مائة ألف نسمة يتوزعون في أكثر من مائتي قرية بالإضافة إلى مدينة الداير.
وتقع الداير عند ملتقى سفوح الجبال في منطقة سهلية يعبر من خلالها عدد من الأودية مثل (وادي جوري) و(وادي اهراي) بالإضافة إلى عدد من الأودية الشهيرة الأخرى والتي من أهمها وادي (ضمد) الشهير الذي يبدأ من أعالي جبال بني مالك ووادي دفا الذي هو عمق لوادي بيش الشهير ووادي الصدر ووادي عرقين ووادي الرمح ولهذا الموقع أهميته فهي تقع عند ملتقى الجبال في موقع متوسط بين القبائل والقرى الأخرى بحيث يستطيع الجميع الوصول إليه بسهولة ويسر وأصبحت ترتبط بمنطقة عسير عبر طريقين أحدهما يمر بمركز الربوعة والآخر عن طريق الريث وادي الحياة (الفرشة).
تسمية الداير
تسمية الداير بهذا الاسم.. بهذا ذكر لنا المواطن سلمان المالكي أن الداير كانت عبارة عن قرية صغيرة وبيوت متجاورة ولسهولة الإغارة عليها بنى سكانها (ديرا) وهو جدار على شكل دائرة محيطا بها لحمايتها من الغارات المفاجئة فسميت فيما بعد بهذا الاسم.
مركز بني مالك
أنشئ أول مركز في بني مالك (إمارة بني مالك) سابقاً تقريباً ما بين 1345هـ و1353هـ في جبال حبس ثم انتقل إلى قرية الرقبة في آل سعيد بني مالك ثم انتقل إلى قرية تسمى (القهبة) وبقي هناك فترة من الزمن حتى تم نقله إلى الداير ومن ثم تحولت إلى محافظة.
ويتبع محافظة الداير ثلاثة مراكز هي مركز (جبال الحشر) ومركز (آل يحيى وزيدان) ومركز (وادي دفا).
التضاريس
غالبية مناطقها جبلية باستثناء الداير (المدينة) تمتاز مرتفعاتها بهوائها العليل واعتدال حرارتها صيفاً أما شتاؤها فشديد البرودة.
تسقط عليها الأمطار صيفاً بسبب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تهب من المحيط الهندي على جنوب الجزيرة العربية وكذلك تهطل عليها شتاء، ولذلك تعتبر من المناطق المطيرة في الجزيرة العربية ومن أشهر الجبال فيها جبل طلان أعلى قمة في منطقة جازان وجبل ثهران وجبل روحان ومنصية والثاهر والرميح وكلها مسميات لجبال شهيرة لها علو كبير تشاهد من مسافات بعيدة جداً.
قبائل بني مالك
تتألف قبيلة بني مالك من سبع قبائل وكل قبيلة منقسمة على عدد من الأفخاذ وكل منها وحدة منفردة ترجع إلى أصلها الأول القبيلة الأم (بني مالك) أما القبائل فهي: قبيلة آل خالد، قبيلة آل سعيد، قبيلة آل علي، قبيلة آل يحيى، قبيلة آل سلمى، قبيلة حبس، قبيلة العزة.
ولكل من هذه القبائل حدود معينة متعارف عليها مع القبائل الأخرى وتتصل مع بعضها بحدود واحدة تسمى حدود بني مالك تتعارف عليها مع القبائل المجاورة.
الأحكام والأعراف
للقبائل عادات تحكمها في السابق وتنظم الحياة فيها ويصعب تجاوزها أو القفز عليها ولكل قبيلة شيخ يطيعه وللقبائل جميعها شيخ يسمى شيخ الشمل يتم العودة إليه دائماً عند اختلاف مشايخ القبائل الأخرى. الشيخ أحمد يحيى المالكي أحد كبار السن وأحد العارفين بتلك العادات والذين لهم باع طويل في معرفتها تحدث إلينا عن تلك العادات بل النظام في السابق إن صح التعبير فقال: تعرفون أن البلاد قبل توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز- رحمه الله- كانت عبارة عن فوضى ينعدم فيها الأمن والخوف، والقتل والسلب والنهب منتشر بشكل كبير وكانت القبائل تحتاج إلى ما ينظمها فكانت توضع الأسلاف والأعراف وهي بمثابة (القوانين) في تلك الحقبة من الزمن وهذه الأسلاف والأعراف لها أطر معينة تحكمها وتنظمها والخروج عليها قد يكلف فعله عار لا يغتفر وقد يهوي بسمعة صاحبه وعلى القبيلة أن تدين فعلته وإلا عرضت سمعتها ومكانتها للإذلال والعار الذي قد لا يغتفر ولا يقبل لدى القبائل الأخرى، لهذا تجد الحرص من الجميع على الانضباط وعدم الخروج عن دائرة عادات وأعراف القبيلة.
وأضاف الشيخ أحمد يحيى المالك قائلاً: لكل أمر من نواحي الحياة أعراف تنظمه يحكم بموجبها.
فلن تجد شيئاً من تلك الأمور إلا وله الحكم المناسب الذي ينظمها في مجالات الحياة المختلفة في تلك الأزمنة.
والأحكام والأعراف القبلية أشبه ما تكون بالقوانين الوضعية اليوم وهذه الأعراف التي أحدثك عنها كانت موضوعة قبل مئات السنين ومكتوبة على أوراق وقبلها كانت مكتوبة على (الجلود) وتسمى (المشجّر) بتشديد الجيم وفتحها.
وعادة (المشجر) لا يكون موجوداً إلا لدى (الردود) ونقصد بكلمة الردود (شيخ الشمل) والذي توارث هذا المنصب من مئات السنين فترد إليه مئات القبائل عند اختلافها ليكون كلامه هو الفصل. والردود مأخوذة (من رد الشيء لصاحبه) لأنه المخول للنظر فيه (والرد) أسرة لها شرف العودة إليها في المنازعات القبيلة ولا يؤخذ عنها هذا المنصب تحت أي ظرف من الظروف ومهما كانت الأسباب والمبررات حتى لو ذهب عنه منصب (الشيخة) فيبقى لدى هذه الأسرة مادام فيهم رجل واحد قادر على المحافظة على المشجر (الوثيقة) والموثق بها الأطر العرفية لحل مشاكل القبائل.
وعما إذا كانت الأحكام القبلية في ذلك الزمان ملزمة قال المالكي: في حال كان الاختلاف بين قبيلتين فتقوم كل قبيلة باختيار من يمثلها ويسمى ذلك في الأعراف ب(قول الاثنين) يجتمع الاثنين فإن اتفقا على حل فيما بينهما بعد أن يعود كل منهما إلى جماعته ويشاورهم في الأمر فتكون المشكلة قد حلت وإن اختلفا يقوم كل منهم بتسجيل الحكم الذي يرى من وجهة نظره أنه الصواب ثم تعاد إلى (الرد) ليفصل فيها.
وعن آلية التنفيذ ومن هي الجهة التنفيذية لهذه الأحكام يضيف قائلاً: قبل أن يقوم (الرد) وهو شيخ الشمل (مرجع الشيوخ) بإصدار الحكم تقوم كل قبيلة بإحضار كفلاء منها من خيرة رجال القبيلة أهل الحل والربط فيلتزموا بتنفيذ ما يصدره من حكم وهكذا تحل المشاكل، لأن للقبيلة كلمة وفاء لا تقبل التبدل أو التراجع عنها.
عقاب جماعي
ثم تحدث المالكي إلينا قائلاً: كانت تحدث حروب قبلية وكانت تودي بحياة الكثيرين وتسلب الماشية من المراعي في حال وجدت الفرصة ومع ذلك كان هناك أيضاً أحكام صارمة يستحيل تجاوزها ومن ذلك قتل المرأة أو القاصر من الرجال (وهو الذي لم يبلغ الحلم) فكان قتلهم عيباً لا يغتفر لتلك القبيلة وكانت النساء والصبيان يذهبون حيث يريدون فلن يجرؤ أحد على اعتراضهم ولو حدث ذلك من أي شخص من أي قبيلة فإن القبائل مجتمعة تقوم بالإغارة على تلك القبيلة تدمرها وتسلب حلالها وتقتل من وجدوا فيها يعني عقاباً جماعياً وهذا من سلبيات العادات والأعراف القبلية أن الشخص قد يؤخذ بذنب الآخرين.
وهذه الأعراف والأسلاف ليست لقبيلة واحدة بل متفق عليها من المئات من القبائل ولذلك غالباً ما تكون الأحكام موحدة.
وعن صرامة الأعراف القبلية وكيف أنها قد تكون جائرة: قال المالكي: مادام أنها قوانين وضعية فمن المؤكد أنها جائرة ومعظمها لم يكن يتفق مع الشريعة الإسلامية ولكنها كانت حلاً مؤقتاً في ذلك الزمان وأنتم تعرفون أن الجهل كان منتشراً بين الناس ومع وجود الجهل وابتعادهم عن الدين وانتشار البدع والخرافات بين الناس قد يكون السبب في ظهور هذه الأحكام والأعراف القبلية.
ثم أضاف قائلاً: هذا الذي أحدثك عنه قد ذهب معظمه وولى بعد توحيد البلاد على يد المؤسس- رحمة الله عليه- وبعد أن حلت الشريعة الإسلامية وانتشر العدل والمساواة بين الناس، لم يتبق من تلك الأعراف والأحكام إلا ما يتوافق مع الشريعة الإسلامية السمحة.
العادات والتقاليد
لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي يفتخر بها أو يتميز بها وقد تختلف عادات وتقاليد المجتمعات عن بعضها البعض ومن تلك العادات ما يكون قد اختفت ولم يعد لها وجود سوى تذكرها أو التحدث عنها كذكريات ومنها مازال باقياً والمجتمع في بني مالك له عاداته التي يتميز بها ويفتخر بها فيقول حسن المالكي أحد كبار السن: لا شك أن للناس عادات كانت ولازالت تفخر بها اختفى بعضها ولازال البعض منها قائماً.
وكان أبرز ما يميز المجتمعات القبلية في بني مالك هو روح التعاون السائد بين الناس ومن أمثلة ذلك التعاون في زراعة الأرض وبناء المنازل من قص للحجارة وحملها إلى موقع البناء ثم البناء من قبل أشخاص متمكنين ولديهم المهارة في البناء فالمجتمعات الجبلية خاصة قد اشتهروا ببناء المنازل من الحجر وتفننوا في ذلك ومن العادات أن الشخص الذي يكون في حاجة إلى عدد كبير من الناس لمعاونته في أمر ما كإحضار قطع الخشب الكبيرة لسقف المنازل أو غير ذلك من الأمور ما عليه إلا الذهاب لأحد سكان القرى المجاورة فيقوم بطلبه على المساعدة وأنه بحاجة إلى عدد معين من الناس فيقوم ذلك الشخص بعرض الموضوع على أهل قريته ويخبرهم أن فلاناً قد حل بمنزله واستعان به وبجماعته فيهب أهل تلك القرية لمساعدته تكريماً لقريبهم الذي استعين به وطلب منه الفزعة وكذلك لطالب المساعدة من القبيلة الأخرى وهكذا يحل التعاون وتقضى حوائجهم.
الزواج
عندما يتزوج الرجل يقوم بعمل احتفال بذلك ويأخذ عروسه إلى منزله ويسمى ذلك ب(المراح) الانتقال إلى منزل الزوج يقوم أهل قريته وقبيلته باستقبال أهل العروس وقد يكون العدد بالمئات حسب مكانة الأسرة في العشيرة وتقام الاحتفالات ولم تكن المطابخ توجد في ذلك الزمان كحال اليوم الذي نحمد الله عليه بل يقومون أفراد القبيلة بالتعاون فيما بينهم لإنجاح المناسبة فهم يعتبرونهم ضيوفاً على الجميع ويقوم الجميع بمساعدة الزوج مادياً لمساعدته وهذه سنة حسنة وتسمى ب(المعونة).
الرقصات الشعبية
عرف الكثير من الفنون الشعبية السائدة بين مجتمع القبائل ولازال الكثير منها قائماً على الرغم من اختلاف مظاهر الحياة وأساليبها وظهور عادات جديدة تتماشى مع العصر الحديث إلا أنها ظلت قائمة متحدية الحضارة الحديثة ومطلة على العصر الحديث بأصالتها لتبقى متأصلة لدى الجيل الجديد الذي كلما كان بعيداً عنها وجد نفسه أكثر قرباً منها، ومن تلك الفنون الشعبية ما حدثنا به يحيى المالكي الذي قال: هناك أنواع كثيرة من الفنون الشعبية منها ما يأخذ طابع الرسمية في المناسبات ومنها غير ذلك ومن تلك الألوان:
الزامل: وهو لون شعبي يجتمع فيه مجموعة كبيرة من الناس مكونة مجموعة من الصفوف يرددون مجموعة من الكلمات المنظومة في أبيات شعرية لا تخلو من المدح والثناء أو شرح معاناة أو الاعتذار على حسب نوع المناسبة وهذا اللون يكون في حالة قدوم وفد أو قبيلة على قبيلة أخرى ويتقدمهم شيخ القبيلة أو من ينيبه وفي المقابل تكون القبيلة الأخرى قد اجتمعت على شكل صفوف يتقدمهم شيخ القبيلة أو من ينوب عنها فيبدأ الطرف الأول بالقدوم مرددين تلك القصائد الشعرية وغالباً ما كانوا يحملون أسلحتهم فيقومون بإطلاق الرصاص تعبيراً عن قدومهم وعندما يصلون أمام الجمع ينصت الجميع ويبدأ السلام والترحيب وتظهر في مثل هذه المواقف الشجاعة الأدبية بين المشايخ الذين تفخر بهم قبائلهم.
وبعد وصول الضيوف وإتمام مراسم الاستقبال يتم تقليطهم في المجالس المعدة للاستقبال وتقدم لهم القهوة العربية والتمر والحليب البلدي قبل تقديم الوجبة الرئيسية وبعدها تبدأ القبيلة المضيفة بالاجتماع ويقوم شاعر القبيلة بنظم قصيدة التراحيب يرددها الجميع ويقومون بالذهاب بها إلى الضيوف حيث يقوم الضيوف بالقيام وشكرهم على التراحيب وكرم الضيافة وحسن الاستقبال.
ولرد التراحيب والثناء على المستقبلين يقوم الضيوف بترديد ما يسمى بالتحية كرد للترحيب الذي تغنوا به وتحمل القصيدة في طياتها الثناء والتقدير للطرف المضيف على كرم الضيافة.
ويتخلل الحفل في الغالب عدد من الألوان الشعبية الأخرى ومن ذلك ما يسمى (الخطوة) وهي لون جميل مختصر الجمل الشعرية يكون فيه صفان متقابلان مع حركة بالرجلين.
(الدورية) وهو لون آخر تكون فيه المجموعة على شكل دائرة وهو مجال مفتوح للشعراء لإبراز إمكاناتهم وقدراتهم (التكثيرة). ويأتي في نهاية الحفل اجتماع الضيوف وترديد قصيدة شعرية تسمى التكثيرة يثني فيها الضيوف على كرم الضيافة وحسن الاستقبال والدعاء لهم بالسعة في المال والرزق ثم يغادر الضيوف، مرددين تلك الجمل الشعرية يرافقهم المستضيفون ويقومون بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء كتقدير وإجلال لما قام به أهل الدار من الكرم وحسن الضيافة وعند وصولهم إلى مكان محدد يتوقفون ويقومون بتوديعهم شاكرين لهم كرمهم، كان ذلك في الماضي وقد بقي من تلك العادات القليل.
وأضاف المالكي يقول: كما تشاهدون بدأت الناس اليوم تبحث عن التراث وتتغنى به فأنا أنادي من خلال (الجزيرة) بالاعتناء بالعادات الجميلة التي لا تتنافى مع ديننا الحنيف وأتمنى من الجيل الجديد أن يحافظوا على تراثهم وعاداتهم المشرفة وأرى أن الطريقة المناسبة لذلك أن تكون هناك فرق شعبية تجيد تلك الألوان حتى تحافظ عليه من الاندثار.
التعليم
كان المجتمع في بني مالك كحال بقية المجتمعات في معظم شبه الجزيرة العربية يسوده الجهل والتخلف، والمجتمع في بني مالك في الغالب كان مجتمعاً مستقراً من حيث عدم التنقل وشد الرحال كونها في الغالب مجتمعات قروية تستقر في القرى التي لازالت قائمة شاهدة على ذلك العصر.
والقرى في ذلك الزمان غالباً لا تخلو من وجود بعض المساجد بالرغم من قلتها أو بالأصح ندرتها كما يصف لنا ذلك المواطن حسين يحيى المالكي البالغ من العمر 98 سنة حيث يقول: كان يوجد القليل من المساجد في بعض القرى يعلم فيها القرآن الكريم وكان المقتدرون من الناس يرسلون أبناءهم لتعلمه ويقومون بدفع الراتب للمعلمين وكان المعلم في ذلك الزمان يتخذ من مسجد القرية مكاناً للتعليم أو تحت إحدى الأشجار الكبيرة، فكانت القرى لا تخلو من متعلم أو أكثر وبعد توحيد البلاد على يد المؤسس- رحمه الله- بدأت مدارس لتعليم القرآن في المنطقة ومنها التي قام بها فاعل خير وتسمى مدارس القرعاوي (جزاه الله خيراً) ثم بدأ بعد ذلك التعليم النظامي بافتتاح أول مدرسة في قرية (القهبة) وكان ذلك عام 1386هـ وبعدها بدأ في الانتشار حتى وصل كل قرية وهجرة من أرجاء المحافظة أسوة بجميع أرجاء مملكتنا الحبيبة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved