Sunday 20th June,200411588العددالأحد 2 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مَنْ منا يقصي الآخر؟ مَنْ منا يقصي الآخر؟
د. خالد بن عبدالله بن دهيش*

تمر الأمة العربية والإسلامية بظروف حرجة ، يؤكدها الموقف الغاضب علينا من الغرب ، ومطالبته بتطبيق مشاريعه المشبوهة مثل مشروع (الشرق الأوسط الكبير) ودعواته المتوالية بإصلاح وغربلة التعليم بدعوى أنه سبب من أسباب ظاهرة الإرهاب بالعالم الإسلامي وأنه يساهم في انتشار ظاهرة كراهية الآخر وعدم الاعتراف به.
كل هذا ليس وليد أحداث 11 سبتمبر 2001م كما يزعم بعضهم أن يوهمنا ، وإنما ذلك واحد من أسبابها ، فالصورة النمطية المغلوطة للعرب والمسلمين وللإسلام قديمة جداً ، حيث ساهم الإعلام والتعليم في الغرب في إشاعتها ، وسعى إلى زراعتها في أذهان الغربيين وبخاصة في أمريكا وأوروبا ، وهذا ليس رجماً بالغيب وإنما أثبتته دراسات علمية صدرت مؤخراً ، منها كتاب (صورة العرب والمسلمين في المناهج الدراسية حول العالم) الذي كشف الحقيقة ووضع النقاط على الحروف ، تبين منه أن الغرب هو الذي يقصى الآخر ، وبخاصة إذا كان الآخر هم العرب والمسلمون مستغلاً الأوضاع السياسية السيئة التي تمر بها كثير من ديار العرب والمسلمين.
كما قرأنا وسمعنا وشاهدنا الكثير من هذه التهجمات غير المسؤولة عن سياسيين وكتاب غربيين على هذا النهج من العداء لبلادنا العربية والإسلامية منها على سبيل المثال لا الحصر ، ما صرح به رئيس وزراء إيطاليا (برلسكوني) الذي زعم أن حضارة الغرب أعلى مرتبة من الحضارة الإسلامية ، بينما حضارة الغرب هي التي استفادت من معطيات الحضارة الإسلامية في تقدمها يوم استيقظوا ونمنا ، وهذا ما أكده كثير من مفكريهم وعلمائهم المنصفين أمثال المستشرقة (هونكه) التي ألفت كتابها القيم (شمس العرب تسطع على الغرب) ، وجوستاف لوبون مؤلف كتاب (حضارة العرب) الذي اعترف بفضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية المعاصرة.
ولاشك أن الأحداث التي تعيشها بلادنا دفعتنا لمراجعة أحوالنا ، لأن هذا الأمر ليس استجابة للضغوط الغربية بقدر ما هو مراجعة للذات وتصحيح للأحوال بما يتفق والمستجدات وبما يعود علينا بالنفع والفائدة. فالعلوم متطورة والأفكار تتجدد ومعرفة الآخر مطلب مهم فكيف نعيش في دنيانا بدون معرفة للآخرين ، لكن هذا التغيير حينما نقول انه مطلوب يلزم أن يتم وفق ضوابط مشروعة محددة ومن ذلك ما يلي:
1- الإيمان بأهمية الاستفادة من كل مستحدث جديد يعود علينا بالنفع والفائدة.
2- ألا يتطرق التغيير لثوابتنا الإسلامية بأي حال من الأحوال.
3- إبعاد التهم التي ابتلينا بها من دعوى كراهية الآخر وبغض المخالف لنا.
4- إظهار الجوانب المشرقة في ديننا الحنيف ومن ذلك ما يلي:
أ- { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } (256) سورة البقرة ، تؤكد أنه لا يمكن بحال من الأحوال ان يرغم غير المسلمين على الدخول في الإسلام.
ب- ان البشر إخوان في الإنسانية وان اختلفت عقائدهم ، ولذلك جاء في الحديث (كلكم لآدم وآدم من تراب).
ج- إن الإسلام حث على حسن التعامل مع غير المسلمين, وأباح التجارة معهم ، ومناكحتهم, وهذه أرقى صور الإنسانية التي جاء بها الإسلام.
د- لأهل الذمة والمعاهدين حقوق في الشريعة الإسلامية تستوجب حسن التعامل معهم وعدم الإساءة لهم والتحذير من الإضرار بهم لما بيننا وبينهم من عهود. حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ُ} (1) سورة المائدة.
هـ - الدعوة إلى الله سواء مع المسلمين أو غير المسلمين يلزم أن تتم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
وهذه المسائل الإنسانية النبيلة جاء بها ديننا الحنيف وحث على حسن التعامل بها مع غير المسلمين. أليس في ذلك احترام للآخر وتقدير له؟ أما ما تقوم به فئة قليلة ضالة شاذة من مجتمعنا ضد غير المسلمين فهو حرابة قال الله تعالى فيهم {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (33-34) سورة المائدة ، وحكومتنا القائمة على خدمة الحرمين الشريفين (بإذن الله) قادرة على القضاء عليهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه علينا هو: من هو الذي يحاول أن يقصي الآخر ويضطهده ويشن الحروب عليه لمجرد الاختلاف معه ، بل واختلاق المشاكل حتى يسومه سوء العذاب ويحقق أهدافه البغيضة ،فهل هذا تم من العرب والمسلمين أم من الغرب؟ ثم ما هو موقف الغرب من احتلال بلادنا ومقدساتنا؟ أليسوا هم الذين دعموا المعتدين من اليهود الذين لم يقم لهم قائمة لولا دعم الغرب ومحافظته على تفوقهم ليبقوا معتدين معربدين ، ووسائل الإعلام ترينا يومياً كم أفسد العدو الصهيوني في أرضنا المحتلة (فلسطين الغالية) بالقتل والتدمير والاعتقالات وهدم المنازل وتجريف الأراضي وهو ساكت عن بغيهم ، بل ويحول دون الإدانة المعنوية حماية للمعتدي.
إننا نعمل في بلادنا على مراجعة المناهج والمقررات الدراسية ، لكون ذلك مطلب شرعي وحاجة حضارية لنواكب العصر ومستجداته ، وليس معنى ذلك أن نمسخ المناهج أو نذوب هويتنا ، فهذه انهزامية لا يمكن بحال من الأحوال ان نقبلها أو نرضاها.
وولاة الأمر في المملكة - حفظهم الله - كثيراً ما أوضحوا حقيقة هذا الأمر بكل جلاء دون مواربة ، فصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء رئيس لجنة التربية يقول في هذا المقام (ان تطوير المناهج يهدف إلى تحقيق المزيد من تعزيز القيم والأخلاق والسلوك الإسلامي في نفوس الناشئة وغرس المفاهيم الصحيحة التي بينها القرآن الكريم والسنة المطهرة تحقيقاً لمعنى (الوسطية) ، وتحديد القدر اللازم من المعلومات والمحتوى لكل سنة دراسية مع مراعاة سن التكليف ومناسبة المواد لعمر الطالب ، واستيعاب مقاصد الشريعة والتأكيد على الأساسيات والتربية على أخلاق السلف الصالح والمرونة وقبول الحوار واحترام آراء الآخرين مع الحفاظ على المواد الدراسية الدينية باعتبارها من الثوابت في مناهجنا الدراسية ، وكذلك الاهتمام بحاجة سوق العمل ومتطلباته للمؤهلات العلمية المعاصرة).
وهكذا فان كلام سموه الكريم ووضوحه بشكل جلي يتبين معه ، كما قال سموه ، ان حركة التنمية والتطوير في المملكة تتم وفق منظور متناسق في كل المجالات سواء كانت تربوية أو اجتماعية أو سياسية أو ادراية أو اقتصادية ، وان ذلك يتم استجابة لمتطلبات العصر ولكثير من المستجدات الراهنة وليس استجابة لضغوط خارجية.
فحتى متى لا يغير الغرب مناهجه ويصلح الانحرافات التي تحتويها من العداء للإسلام والمسلمين ولحضارتنا الإسلامية؟
وهكذا يتبين لكل ذي عينين من هو الذي يحترم الآخر ويمد يده له ممن يحاول أن يقصيه!

* وكيل وزارة التربية والتعليم
للتخطيط والتطوير الإداري


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved