قال الكاتب الفرنسي (رينيه بازان): إن الحياة قد جعلت لكي يتغلب الأحياء عليها!!
والكل يتذكر فكرة مشابهة للمتنبي إذ لاحظ ان الدنيا لمن غلبها..
وكم يحسن بالمربين أن يتأملوا في هذه الفكرة لكي يعودوا أولادهم منذ نعومة الأظفار، على مصارعة الصعاب وعلى حب الجهد والمشقة.. فان كل الأمور مرجعها إلى العادة، وكما ان الأحجام والانحناء أمام المصاعب (عادة) فكذلك مقاومة المصاعب تكتسب العادة.
كم من والد أو والدة يتذمر في عصرنا الحاضر قائلاً: لا أدري ماذا أفعل لكي أحمل هذا الولد على الدراسة أو على عمل كذا وكذا.. وان هذا الجيل رخو كسول الخ..
مع انه ليس الجيل الحاضر أسوأ من الأجيال السابقة، ولكن الشبيبة العصرية لا تجد لدى الأهل العزيمة الضرورية لردعها عن القبائح أو لدفعها إلى الفضائل.
قال وزير فرنسي مؤخراً قولاً جريئاً جدا حين علق على اجرام الأحداث، فطلب من المحاكم ان تسوق أهلهم إلى السجن بدلا من إصدار أحكام على مراهقين غير مسؤولين!!.
فان الأهل يتركون مطلق الحرية لأولادهم أيام الصبا ولا يقاومون غرائزهم ولا ميلهم الطبيعي إلى الأنانية، ثم يتعجبون بعد ذلك اذا انجر أولادهم إلى الرذائل! ويقولون مثلما قال والد مسكين أمام محكمة الجنايات مؤخراً: لم أكن قط أتصور أن يقدم ابني على مثل هذه الجريمة!!.
مع انه لو راجع الماضي لرأى ان ابنه كان في البيت طاغية مستبداً يتصرف كيفما شاء ولا يجد من يعاند طغيانه.
فضلا عن أنه كان يعامل اخوته الصغار معاملة (الجلاد) للضحية!! وأمه تتذرع بان صحته (نحيفة) وانه لا يجوز ان تستعمل القساوة معه، إلى غير ذلك من تراجع أمام واجب السلطة.
قالت إحدى المساعدات الاجتماعيات في مؤتمر حديث للتربية:
- إني مذعورة إزاء عدد الأمهات اللواتي يقلن لي: ابني يعاملني كما لو كنت خادمته!!.
وقالت أخرى:
- كم من أم تقول لي: عاملني أهلي معاملة قاسية، ولذلك لا أريد أن أربي أولادي بالقساوة نفسها، فالحياة طويلة ومصاعبها كثيرة، وستبدي فيما بعد للأولاد قساوتها، ولا حاجة أن يتعذبوا منذ الآن!!.
- وقالت مساعدة أخرى: نصحت إحدى الأمهات ذات يوم باستعمال الشدة مع بنتها الصغيرة، فأجابتني، إني أداوي بنتي الآن بالمقويات، وليس الوقت وقت الشدة!!.
الخلاصة من هذه الأمثلة القليلة المقتطفة بين ألف مثل، ان كل ما ألصق بالشبيبة العصرية من تهم وميول سيئة الخ.. إنما تقع المسؤولية فيه على الأهل والمربين لأنهم أهملوا واجب السلطة ولم يعودوا أولادهم منذ الصغر على مغالبة غرائزهم ومكابدة المشقة الضرورية لهذه المعاركة.
(وظيفة الأب في الأسرة)
موضوع كتاب حديث
كتاب كامل أفرده أستاذ جامعة لهذا الموضوع، وهو الأستاذ (أندريه لوغال).
وصف المؤلف صورة الأب كما تتجلى للطفل في أطوار عمره المختلفة.. ثم حلل ما سماه (أزمة السلطة الأبوية الكبرى) وقال ان هذه الأزمة ليست سوى وجه من وجوه الأزمة الحاضرة في المجتمع.
ومن الأفكار الجديدة الواردة في هذا الكتاب ان صورة الأب تنطبع في نفس الابن بواسطة الكلام والنطق، وليس أي شأن لشكل الأب الخارجي فسواء كان طويلاً أو قصيراً، وأشقر أو أسمر، وشاباً أو متقدماً في السن، فلا أثر في نفس الطفل لهذه العوامل (الثانوية).
ثم ان صلة التناسل بين الوالد والمولود ليس لها أي شأن حاسم لا في نفس الطفل الواعية ولا في منطقتها غير الواعية.. ولا يتأثر الطفل بهذا الرباط التناسلي، في سلوكه وحركاته النفسية.
أما أساس انفعالات الطفل فهو رباط النطق بين الابن وأبيه والبنت وأبيها، كما يتجلى في أطوار نمو الطفل.. وان امتن الصلات هي صلة المحادثة والمكالمة بين الطفل والأب.
وأوجز المؤلف هذه الفكرة كما يلي: ان النطق هو الأداة التي يتثبت الابن بواسطتها من حقيقة انتسابه إلى أبيه. وهي أثبت وأمتن من كل صلة أخرى.. وعندما يقول الابن أو البنت - يا أبي - فانه يدل بواسطة النطق على معرفته لشخص الوالد.. وعندما يجيب الأب ابنه أو بنته بقوله - ابني، ابنتي - فانما يثبت له انه قال الصواب.. ويجري كل ذلك بواسطة النطق والكلام.. وكل السلطة الأبوية مرتكزة على هذا الحوار.
|