Saturday 19th June,200411587العددالسبت 1 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
عبدالله بن بخيت
الجنية التي أحبتني (الأخيرة)

دخلت عليها وجلست بعيداً عنها قليلاً خشية أن تهاب مني ثم تنهض وتتركني مرة أخرى. أريدها أن تكشف وجهها لم يعد تكفيني يدها البيضاء المليئة بالغوايش. لقد كبرت في هذه الليلة. لم تعد المحاكمة تهمني بقدر ما يهمني هذا الحب الذي جاء بغير توقع. لقد تركوني معها أو تركوني لها. لقد استسلموا لرغباتها. زحفت حتى كادت أن تلتصق بي وقالت: هل أحببتني؟ لم أستطع الجواب ولكني هززت رأسي دون أنطق بأي كلمة فقالت: لقد عرفت ذلك من نظراتك قبل قليل ولم يعد هناك شك بأنك وقعت في حبي كما وقعت في حبك. وبعد صمت قليل عادت لتقول: أنا أعرفك منذ زمن بعيد ويجب أن تعرف أني أنا وسعسعوطة كنا نحاول أن نراك يومياً كنا نتنافس عليك أنت وابن صالح وقد كانت سعسعوطة أكثر جرأة. كان لدي إحساس أنك كنت تحبها وحتى أن عوداتك في بعض الأحيان من اللعب كنا نظن أنها من أجلها.
لم أصدق ما أسمع هناك مؤمرات حب كثيرة تحاق بي دون أعرف حتى ابن صالح كان عرضة للحب أيضا. لقد انتقل آل صالح من حارتنا ولم أعد أسمع أخبار ولدهم. فسألتها هل تعرفين شيئا عن ابن صالح فقالت نعم هل تريد أن تراه فقلت أين هو الآن فقالت إنه هنا لقد خفسنا به قبل أشهر بعد نزولهم من حارتكم. تطاول علينا أكثر مما يجب لقد حكم عليه أن يبقى سجينا تحت الأرض لمدة ثلاثين سنة فسألتها ما سوف يحل بأمه فقالت ومن قال لك إنه سوف يختفي عن أمه. نحن لا نعاقب البريء بذنب المسيء فقلت ولكنك قلت إنه سوف يبقى في السجن ثلاثين سنة. فقالت لقد بدلناه بواحد يشبهه. على نفس هيئته وهو الآن يحل محل ابن صالح على وجه الأرض. ثم قالت اقترب أذان الفجر وسوف يستيقظ أهلك لا بد أن ترحل وتضع نفسك في الفراش حتى يوقظك أبوك لصلاة الفجر كالعادة. وقلت ولكني لا أعرف كيف أخرج وماذا أفعل بك. قالت بالنسبة لي لا تخف فأنا سأكون معك طوال حياتك وسوف أرافقك سأتحول بكل أشكال النساء التي تريدها. طريق الحب مفتوحة أمامك وسوف تصبح حياتك مليئة بالأشواق المتلاطمة بدوني سوف تتحول حياة قلبك إلى جحيم. تركتها وخرجت إلى بطن البيت وبعد قليل خرجت من الحجرة قطة شهباء وانطلقت إلى الدرج فلحقت بها. وعندما أصبحت في السطح فوجئت بأنني في البيت المجاور لبيتنا. أخلاه أصحابه منذ عدة أشهر.
رفعت رأسي فشاهدت غضارة الماء في مكانها. حيث تضعها أمي كل يوم. لم يتغير شيء أبداً. وبدت المسألة كأنها لم تحدث أبداً. فتشعبطت في الحائط القصير وقفزت إلى منزلنا وسرت بهدوء وأدخلت جسدي في فراشي. وقبل أن تهدأ ضربات قلبي شاهدت الشهباء تقف إلى جانب الغضارة وبعد قليل صرخت قبل أن تقفز وتقترب مني فخفت أن تتحول إلى صورة امرأة ويشاهدها أحد. ولكنها قالت سأبقى فيك إلى الأبد وسأنوب عن أي امرأة تطوف في أحلامك. ثم انسحبت. وبعد دقائق سمعت نحنحات مؤذننا ودعواته وتهليلاته التي يبدأها منذ أن يخرج من منزله حتى يصبح داخل المسجد. لا يتوقف أبدا كأنه خائف من حلكة الليل والتفرد ولكنه يدعي عندما يسأله أحد أنه كان يوقظ الناس كي يستعدوا للصلاة. يقال إنه كان يؤانس وحدته بنفسه. كان يخاف أن يخرج في آخر الليل وحيداً. ولكن أكل العيش لا يرحم. لقد أصيب في بداية حياته عندما كان في مثل عمري وبذل ذووه كل شيء حتى أخرجوا الجنية منه وهي الآن ترافقه حتى يدخل المسجد دون ان تتغلغل فيه. معروف أنه مزواج رغم فقره وصغر شأنه الاجتماعي. لا يتزوج من الرياض يذهب إلى أماكن بعيدة ويحضر زوجاته. كل واحدة كانت أروع وأجمل من الأخرى. هناك شكوك كبيرة حول مصدر زوجاته.
رفعت رأسي عن الفراش وألقيت نظرة على الغضارة فشاهدت القطة الشهباء تسير على الجدار نهضت وتبعتها حتى دخلت الصندقة التي نطوي فيها المراقد فدخلت وراءها كنت أتوقع أن تكون بائعة البيض في انتظاري ولكني شاهدت امرأة أخرى. امرأة شقراء طويلة تلبس فستاناً مفتوحاً على كل الاتجاهات. من تلك الفساتين التي تباع على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الأوروبية. ابتسمت ونادتني بكلمات لم أفهم منها شيئا. بقيت تلك الكلمات في ذاكرتي وبعد سبع سنوات عندما بلغت العشرين كنت أقف في مطار هيثرو في أول زيارة لي لبريطانيا وفي اللحظة التي كان موظف الجوازات يختم جوازي تناهى إلى سمعي نفس الصوت ونفس الكلمات التي سمعتها في صندقة المراقد. لقد برّت القطة الشهباء بوعدها وها هي الآن في انتظاري في لندن. لقد حانت الساعة التي سوف تنفذ فيها كل أحلام الحب المؤجلة ورحم الله بائعة البيض ويدها البيضاء المليئة بالغوايش.

فاكس 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved