ما يزال بعض (المستنيرين) يرددون عبارات عجيبة حول الخصوصية التي تختص بها بلادنا عن غيرها من البلاد، حيث توصف مرة بأنها سيف مسلط على الرقاب، وتوصف أخرى بأنها كرباج يلاحق به دعاة التطور الممتد إلى ما بعد الخطوط الحمراء.
وتطرح مع قضية (الخصوصية) - إن كانت قضية - قضية المرأة السعودية التي أصبحت عند بعض الناس أخطر قضية على وجه الكرة الأرضية، لأنها تشتمل على عدد من المآسي الخطيرة في نظرهم، منها عدم الاختلاط والحجاب بمفهوميه المعروفين، والعمل بضوابطه المطلوبة شرعاً، وحرية التعبير عن الرأي بحدودها المشروعة، وغيرها من الأمور التي يطرحها بعض الكاتبين طرحا يوحي بأن بلادنا تجلس على صفيح ساخن من هذه المآسي المتعلقة بالمرأة!!. إنها إثارات تثير العجب والقلق، فلماذا هذا التهويل لأمور واضحة المعالم، لا مجال فيها للبس والشك عند من يتعامل مع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
في موضوع الخصوصية نقول: ما الذي يجعل بعض (المواطنين) أصلح الله بالهم ينفرون من هذه الصفة نفرة عجيبة، وكأنها مرض من الأمراض المعدية؟ وما الذي يدفعهم إلى هذه المواجهة الساخنة لهذه الصفة الممتازة؟ أليس لكل بلد في الدنيا خصوصيته؟ أليس كل بلد يعتز بما له من خصوصية تميزه عن غيره؟ فما الجديد في خصوصيتنا نحن؟ وما المشكلة فيها؟ لقد كتبت في هذه الزاوية أكثر من مقالة فيها شيء من التفصيل عن هذا الموضوع، فوجدت من مناقشات بعض من قرأوه من الرافضين والرافضات للخصوصية عدم فهم لمعناها الصحيح، فقد سألتني في حينها سائلة تقول: يعني نحن السعوديين فقط الذين نعرف الإسلام؟ ونحن فقط الذين نعرف المشاعر المقدسة؟ ونحن فقط الذين نعرف القرآن؟ ونحن فقط الذين سندخل الجنة؟ هكذا كانت الأسئلة سطحية هزيلة تدل على فهم مقلوب أو على قصد إلى إيجاد هذا الفهم المقلوب، وكنت أظن هذا الفهم خاصا ببعض الشباب المبتدئين من مثقفي (الاستنارة بمعناها الغربي) ولكنني فوجئت في هذه الأيام بأن هذا الفهم المغلوط موجود لدى بعض المثقفين الكبار وبعض أساتذة الجامعات من أولئك، وهنا كان الاستغراب. من قال إن معنى الخصوصية التي نفتخر بها وندعو أهل هذه البلاد المباركة جميعا حاكما ومحكوما إلى الحفاظ عليها، هو هذا المعنى المغلوط الذي وردت به أسئلة تلك السائلة التي ذكرتها سابقا؟
هنالك خصوصية للمملكة العربية السعودية في كيانها السياسي والثقافي والاجتماعي، وكيانها الجغرافي، وسياسات التعليم والإعلام والتربية وغيرها من السياسات، فما الذي يغضبنا في هذه الخصوصية؟ أما موضوع المرأة، فقد أصبح شأن بعض من يتحدثون عنه التهويل والتضخيم، وحينما نلتفت إلى الواقع نجد نشاطا نسائيا ممتازا في مجالات متعددة فما نعرف من أمهاتنا وقريباتنا إلا المشاركة الفعالة في بناء نسيج الحياة منذ أن فتحنا أعيننا، يقمن بأدوار كثيرة دون عائق أبدا، وإني لأذكر ومازلت أرى ذلك أن والدتي الغالية حفظها الله وعافاها قامت تساندها جدتي لأمي - رحمها الله - على رعايتنا بعد وفاة الوالد - رحمه الله - منذ صغرنا، ومضت في دروب الحياة، واحتاجت إلى التعامل مع جهات معينة، وما عاقها حجابها ولا الوضع الاجتماعي عن القيام بواجبها، بل وجدت من الدعم والعون ما يحدث لغيرها أيضا ممن تتعرض لمثل حالتها.
ونعرف نساء فاضلات كثيرات لهن أعمال تجارية ناجحة وهن بكامل حجابهن، لا يختلطن بالرجال إلا في حدود واضحة لا تخالف الشرع ولا تقف عائقا في طريقهن.
كما نعرف نساء متعلمات واعيات مثقفات متحجبات نسمعهن ونرى آثارهن الطيبة في المجتمع، فما المشكلة إذن؟
هنالك أخطاء في المجتمع، وهنالك مخالفات لشرع الله تحدث من كثير من الرجال أو الأسر، أو المجتمعات التي تتحكم فيها بعض العادات المتوارثة البعيدة عن شرع الله، وهنالك عضل وجور على كثير من النساء، وهنالك ضغط نفسي وعائلي على كثير من الرجال بسبب نسائهم.
فهل تعالج هذه الأخطاء بنسف واقع المرأة المتميز في بلادنا؟
إننا نعرف كثيرا من قضايا عضل النساء وجدت حلها الشرعي حينما وصلت إلى القضاء، فالقضية تتمثل - إذن - في توعية الناس رجالا ونساء بما لهم وما عليهم، وتوجيههم إلى الطرق السليمة التي ينالون بها حقوقهم إذا حجبها عنهم حاجب. الخصوصية (تميز) وليست كرباجا كما يدعي المدعون.
إشارة
وسط ديننا فكيف نغالي
واضحٌ ديننا فما ذا الجدالُ |
|